الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{ إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَـٰتِ } أي تظهروا إعطاءها، قال الكلبـي: لما نزلتوَمَا أَنفَقْتُم مّن نَّفَقَةٍ } [البقرة: 270] الآية قالوا: يا رسول الله/ صلى الله عليه وسلم أصدقة السر أفضل أم صدقة العلانية؟ فنزلت، فالجملة نوع تفصيل لبعض ما أجمل في الشرطية وبيان له ولذلك ترك العطف بينهما، والمراد من الصدقات على ما ذهب إليه جمهور المفسرين صدقات التطوع، وقيل: الصدقات المفروضة، وقيل: العموم { فَنِعِمَّا هِيَ } الفاء ـ جواب للشرط، ـ ونعم ـ فعل ماض، و (ما) كما قال ابن جني: نكرة تامة منصوبة على أنها تمييز وهي مبتدأ عائد للصدقات على حذف مضاف أي إبداؤها أو لا حذف، والجملة خبر عن (هي)، والرابط العموم، وقرأ ابن كثير وورش وحفص بكسر النون والعين للاتباع وهي لغة هذيل قيل: ويحتمل أنه سكن ثم كسر لالتقاء الساكنين، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون وكسر العين على الأصل كعلم، وقرأ أبو عمرو وقالون وأبو بكر بكسر النون وإخفاء حركة العين، وروي عنهم: الإسكان أيضاً ـ واختاره أبو عبيدة ـ وحكاه لغة، والجمهور على اختيار الاختلاس على الإسكان حتى جعله بعضهم من وهم الرواة، وممن أنكره المبرد والزجاج والفارسي لأن فيه جمعا بين ساكنين على غير حده.

{ وَإِن تُخْفُوهَا } أي تسروها والضمير المنصوب إما للصدقات مطلقاً وإما إليها لفظاً لا معنى بناءاً على أن المراد بالصدقات المبداة المفروضة وبالمخفاة المتطوع بها فيكون من باب ـ عندي درهم ونصفه ـ أي نصف درهم آخر، وفي جمع الإبداء والإخفاء من أنواع البديع الطباق اللفظي كما أن في قوله تعالى: { وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ } الطباق المعنوي لأنه لا يؤتي الصدقات إلا الأغنياء قيل: ولعل التصريح بإيتائها الفقراء مع أنه لا بد منه في الإبداء أيضاً لما أن الإخفاء مظنة الالتباس والاشتباه فإن الغني ربما يدعي الفقر ويقدم على قبول الصدقة سراً ولا يفعل ذلك عند الناس، وتخصيص الفقراء بالذكر اهتماماً بشأنهم، وقيل: إن المبداة لما كانت الزكاة لم يذكر فيها الفقراء لأن مصرفها غير مخصوص بهم، والمخفاة لما كانت التطوع بين أن مصارفها الفقراء فقط وليس بشيء لأنه بعد تسليم أن المبداة زكاة والمخفاة تطوع لا نسلم أن مصارف الثانية الفقراء فقط ـ ودون إثبات ذلك الموت الأحمر ـ وكأنه لهذا فسر بعضهم الفقراء بالمصارف.

{ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي فالإخفاء { خَيْرٌ لَّكُمْ } من الإبداء، و خير لكم من جملة الخيور، والأول هو الذي دلت عليه الآثار والأحاديث في أفضلية الإخفاء أكثر من أن تحصى. أخرج الإمام أحمد عن أبـي أمامة " أن أبا ذر قال: يا رسول الله أيّ الصدقة أفضل؟ قال: «صدقة سر إلى فقير أو جهد من مقل ثم قرأ الآية "

السابقالتالي
2