الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَٱحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }

{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ } أي أيحب أحدكم، وكذلك قرأ عمر رضي الله تعالى عنه في رواية عنه والهمزة فيه للإنكار { أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ } وقرىء جنات { مّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } أي كائنة من هذين الجنسين النفيسين على معنى أنهما الركن والأصل فيها لا على أن لا يكون فيها غيرهما، والنخيل ـ قيل: اسم جمع، وقيل: جمع نخل وهو اسم جنس جمعي، و (أعناب) جمع عنبة ويقال عنباء فلا ينصرف لألف التأنيث الممدودة وحيث جاء في القرآن ذكر هذين الأمرين فإنما ينص على النخل دون ثمرتها وعلى ثمرة الكرم دون شجرتها ولعل ذلك ـ لأن النخلة كلها منافع ـ ونعمت العمات هي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلَّ حين بإِذنِ ربها، وأعظم منافع الكرم ثمرته دون سائره، وفي بعض الآثار ـ ولم أجده في كتاب يعول عليه ـ إن الله تعالى يقول: أتكفرون بـي وأنا خالق العنب، و ـ الجنة ـ تطلق على الأشجار الملتفة المتكاثفة، وعلى الأرض المشتملة عليها، والأول أنسب بقوله تعالى: { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } إذ على الثاني يحتاج إلى تقدير مضاف أي من تحت أشجارها وكذا يحتاج إلى جعل إسناد الاحتراق إليها فيما سيأتي مجازياً؛ والجملة في موضع رفع صفة (جنة) أو في موضع نصب حال منها لوصفها بالجار والمجرور قبل.

{ لَهُ فِيهَا مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } الظرف الأول: في محل رفع خبر مقدم، والثاني: حال من الضمير المستتر في الخبر، والثالث: نعت لمبتدأ محذوف أي رزق أو ثمر كائن من كل الثمرات، وجوز زيادة (من) على مذهب الأخفش، وحينئذٍ لا يحتاج إلى القول بحذف المبتدأ، وعلى التقديرين ليس المراد بالثمرات العموم بل إنما هو الكثير، ومن الناس من جوز كون المراد من الثمرات المنافع، وهذا يجعل ذكر ذينك الجنسين لعدم احتواء الجنة على ما سواهما، ومنهم من قال: إن هذا من ذكر العام بعد الخاص للتتميم وليس بشيء.

{ وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ } أي أثر فيه علو السن والشيخوخة وهو أبلغ من كبر، والواو للحال، والجملة بتقدير قد في موضع نصب على الحال من فاعل ـ يود ـ أي أيود أحدكم ذلك في هذه الحال التي هي مظنة شدة الحاجة إلى منافع تلك الجنة ومئنة العجز عن تدارك أسباب المعاش، وقيل: الواو للعطف ووضع الماضي موضع المضارع كما قاله الفراء، أو أوّل المضارع بالماضي أي لو كانت له جنة وأصابه الكبر، واعترضه أبو حيان بأن ذلك يقتضي دخول الإصابة في حيز التمني { وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ } لا يتمناها أحد، والجواب أن ذلك غير وارد لما أن الاستفهام للإنكار فهو ينكر الجمع بينهما لا يخفى ما فيه.

السابقالتالي
2 3