{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِى حَاجَّ إِبْرٰهِـْمَ فِى رِبّهِ } بيان لتسديد المؤمنين إذ كان وليهم وخذلان غيرهم ولذا لم يعطف، واهتم ببيانه لأن منكري ولايته تعالى للمؤمنين كثيرون، وقيل: استشهاد على ما ذكر من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت وتقرير لهم كما أن ما بعده استشهاد على ولايته تعالى للمؤمنين وتقرير لها، وبدأ به لرعاية الاقتران بينه وبين مدلوله ولاستقلاله بأمر عجيب حقيق بأن يصدر به المقال وهو اجتراؤه على المحاجة في الله عز وجل، وما أتى به في أثنائها من العظيمة المنادية بكمال حماقته، ولأن فيما بعده تعداداً وتفصيلاً يورث تقديمه انتشار النظم على أنه قد أشير في تضاعيفه إلى هدايته تعالى أيضاً بواسطة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فإنّ ما يحكى عنه من الدعوة إلى الحق وادحاض حجة الكافرين من آثار ولايته تعالى ولا يخفى ما فيه. وهمزة الاستفهام لإنكار النفي وتقرير المنفي، والجمهور على أن في الكلام معنى التعجب أي ـ ألم تنظر، أو ألم ينته علمك ـ إلى قصة هذا الكافر الذي لست بوليّ له كيف تصدى لمحاجة من تكفلت بنصرته وأخبرت بأني ولي له ولمن كان من شيعته أي قد تحققت رؤية هذه القصة العجيبة وتقررت بناءاً على أن الأمر من الظهور بحيث لا يكاد يخفى على أحد ممن له حظ من الخطاب فلتكن في الغاية القصوى من تحقق ما ذكرته لك من ولايتي للمؤمنين وعدمها للكافرين ولتطب نفسك أيها الحبيب وأبشر بالنصر فقد نصرت الخليل، وأين مقام الخليل من الحبيب، وخذلت رأس الطاغين فكيف بالأذناب الأرذلين والمراد بالموصول نمروذ بن كنعان بن سنجاريب ـ وهو أول من تجبر وادعى الربوبية، كما قاله مجاهد وغيره ـ وإنما أطلق على ما وقع لفظ المحاجة وإن كانت مجادلة بالباطل لإيرادها موردها، واختلف في وقتها فقيل: عند كسر الأصنام وقبل إلقائه في النار ـ وهو المروي عن مقاتل ـ وقيل: بعد إلقائه في النار وجعلها عليه برداً وسلاماً ـ وهو المروي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه ـ وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام تشريف له وإيذان/ من أول الأمر بتأييد وليه له في المحاجة فإن التربية نوع من الولاية. { أنْ ءآتَـٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } أي لأن آتاه الله تعالى ذلك فالكلام على حذف اللام وهو مطرد في ـ أن، وإن ـ وليس هناك مفعولاً لأجله منصوب لعدم اتحاد الفاعل، والتعليل فيه على وجهين: إما أن إيتاء الملك حمله على ذلك لأنه أورثه الكبر والبطر فنشأت المحاجة عنهما، وإما أنه من باب العكس في الكلام بمعنى أنه وضع المحاجة موضع الشكر إذ كان من حقه أن يشكر على ذلك فعلى الأول: العلة تحقيقية، وعلى الثاني: تهكمية ـ كما تقول: عاداني فلان لأني أحسنت إليه ـ وجوز أن يكون { ءآتَـٰهُ } الخ واقعاً موقع الظرف بدون تقدير أو بتقدير مضاف أي حاج وقت أن آتاه الله وأورد عليه أن المحاجة لم تقع وقت إيتاء الملك بل الإيتاء سابق عليها، وبأن النحاة نصوا على أنه لا يقوم مقام الظرف الزماني إلا المصدر الصريح بلفظه ـ كجئت خفوق النجم، وصياح الديك ـ ولا يجوز إن خفق وإن صاح.