الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰكُم } قيل: أراد به الفرض كالزكاة دون النفل لأن الأمر حقيقة في الوجوب ولاقتران الوعيد به وهو المروي عن الحسن، وقيل: يدخل فيه الفرض والنفل وهو المروي عن ابن جريج واختاره البلخي، وجعل الأمر لمطلق الطلب وليس فيما بعد سوى الإخبار بأهوال يوم القيامة وشدائدها ترغيباً في الإنفاق وليس فيه وعيد على تركه ليتعين الوجوب، وقال الأصم: المراد به الانفاق في الجهاد، والدليل عليه أنه مذكور بعد الأمر بالجهاد معنى، وبذلك ترتبط الآية بما قبلها ولا يخفى أن هذا الدليل مما لا ينبغي أن يسمع لأن الارتباط على تقدير العموم حاصل أيضاً بدخول الانفاق المذكور فيه دخولاً أولياً، وكذا على تقدير إرادة الفرض لأن الإنفاق في الجهاد قد يكون فرضاً إذا توقف الفرض عليه، و(ما) موصولة حذف عائدها والتعرض لوصوله منه تعالى للحث على الانفاق والترغيب فيه.

{ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ } أي لا مودة ولا صداقة { وَلاَ شَفَـٰعَةٌ } أي لأحد إلا من بعد أن يأذن الرحمن لمن يشاء ويرضى وأراد بذلك يوم القيامة، والمراد ـ من وصفه بما ذكر ـ الإشارة إلى أنه لا قدرة لأحد فيه على تحصيل ما ينتفع به بوجه من الوجوه لأن من في ذمته حق مثلاً إما أن يأخذ بالبيع ما يؤديه به وإما أن يعينه أصدقاؤه وإما أن يلتجىء إلى من يشفع له في حطه والكل منتف ولا مستعان إلا بالله عز وجل؛ و(من) متعلقة بما تعلقت به أختها ولا ضير لاختلاف معنييهما إذ الأولى: تبعيضية وهذه لابتداء الغاية وإنما رفعت هذه المنفيات الثلاثة مع أن المقام يقتضي التعميم والمناسب له الفتح لأن الكلام على تقدير ـ هل بيع فيه أو خلة أو شفاعة ـ والبيع وأخواه فيه مرفوعة فناسب رفعها في الجواب مع حصول العموم في الجملة وإن لم يكن بمثابة العموم الحاصل على تقدير الفتح، وقد فتحها ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب على الأصل في ذكر ما هو نص في العموم كذا قالوا، ولعل الأوجه القول بأن الرفع لضعف العموم في غالبها وهو الخلة والشفاعة للاستثناء الواقع في بعض الآيات، والمغلوب منقاد لحكم الغالب، وأما ما قالوه فيرد عليه أن ما بعد (يوم) جملة وقعت بعد نكرة فهي صفة غير مقطوعة ولا يقدر بين الصفة والموصوف إذا لم يكن قطع سؤال قطعاً، واعتبار كون/ النكرة موصوفة بما يفهمه التنوين من التعظيم فتقدر الجملة صفة مقطوعة تحقيقاً لذلك وتقريراً له فيصح تقدير السؤال حينئذ مما لا يكاد يقبله الذهن السليم.

{ وَٱلْكَـٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } أي المستحقون لإطلاق هذا الوصف عليهم لتناهي ظلمهم، والجملة معطوفة على محذوف ـ أي فالمؤمنون المتقون موفون والكافرون ـ الخ والمراد بهم تاركو الانفاق رأساً، وعبر عن التارك بالكافر تغليظاً حيث شبه فعله وهو ترك الإنفاق بالكفر، أو جعل مشارفة عليه، أو عبر بالملزوم عن اللازم فهو إما استعارة تبعية أو مجاز مشارفة أو مجاز مرسل أو كناية ومثل ذلك وضع

السابقالتالي
2