الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }

{ فَهَزَمُوهُم } أي كسروهم وغلبوهم، والفاء فيه فصيحة أي استجاب الله تعالى دعاءهم فصبروا وثبتوا ونصروا فهزموهم { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } أي بإرادته انهزامهم ويؤول إلى نصره وتأييده، والباء إما للاستعانة والسببية وإما للمصاحبة { وَقَتَلَ دَاوُودُ } هو ابن إيشا { جَالُوتَ } أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن وهب بن منبه قال: لما برز طالوت لجالوت قال جالوت: أبرزوا إليّ من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم فأتى بداود إلى طالوت فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكمه في ماله فألبسه طالوت سلاحاً فكره داود أن يقاتله بسلاح وقال: إن الله تعالى إن لم ينصرني عليه لم يغن السلاح شيئاً فخرج إليه بالمقلاع ومخلاة فيها أحجار ثم برز له فقال له جالوت: أنت تقاتلني؟ قال داود: نعم قال: ويلك ما خرجت إلا كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة لأبددن لحمك ولأطعمنه اليوم للطير والسباع فقال له داود: بل أنت عدو الله تعالى شر من الكلب فأخذ داود حجراً فرماه بالمقلاع فأصابت بين عينيه حتى قعدت في دماغه فصرخ جالوت وانهزم من معه واحتز رأسه.

{ وَءَاتَٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } في بني إسرائيل بعد ما قتل جالوت وهلك طالوت، وذلك أن طالوت ـ كما روي في بعض الأخبار ـ لما رجع وفى بالشرط فأنكح داود ابنته وأجرى خاتمه في ملكه فمال الناس إلى داود وأحبوه فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده فأراد قتله فعلم به داود فسجى له زق خمر في مضجعه فدخل طالوت إلى منام داود وقد هرب داود فضرب الزق ضربة فخرقه فسال الخمر منه فقال: يرحم الله تعالى داود ما كان أكثر شربه للخمر ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم فوضع سهمين عند رأسه وعند رجليه وعن يمينه وعن شماله سهمين فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال: يرحم الله تعالى داود هو خير مني ظفرت به فقتلته وظفر بـي فكف عني ثم إنه ركب يوماً فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس فقال: اليوم أقتل داود وكان داود إذا فزع لا يدرك فركض على أثره طالوت ففزع داود فاشتد فدخل غاراً وأوحى الله تعالى إلى العنكبوت فضربت عليه بيتاً فلما انتهى طالوت إلى الغار ونظر إلى بناء العنكبوت قال: لو كان دخل هٰهنا لخرق بيت العنكبوت فرجع، وجعل العلماء والعباد يطعنون عليه بما فعل مع داود وجعل هو يقتل العلماء وسائر من ينهاه عن قتل داود حتى قتل كثيراً من الناس ثم إنه ندم بعد ذلك وخلى الملك وكان له عشرة بنين فأخذهم وخرج يقاتل في سبيل الله تعالى كفارة لما فعل حتى قتل هو وبنوه في سبيل الله تعالى فاجتمعت بنو إسرائيل على داود وملكوه أمرهم فهذا إيتاء الملك { وَٱلْحِكْـمَةِ } المراد بها النبوة ولم يجتمع الملك والنبوة لأحد قبله بل كانت النبوة في سبط، والملك في سبط، وهذا بعد موت ذلك النبـي وكان موته قبل طالوت، وذكر الحكمة بعد الملك لأنها كانت بعده وقوعاً أو للترقي من ذكر الأدنى إلى ذكر الأعلى { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء } كصنعة اللبوس ومنطق الطير وكلام الدواب، والضمير المستتر راجع إلى الله تعالى، وعوده إلى داود كما قال ـ السمين ضعيف ـ لأن معظم ما علمه تعالى له مما لا يكاد يخطر ببال، ولا يقع في أمنية بشر ليتمكن من طلبه ومشيئته.

السابقالتالي
2 3