الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

{ وَبَشّرِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } لما ذكر سبحانه وتعالى فيما تقدم الكفار - وما يؤول إليه حالهم في الآخرة وكان في ذلك أبلغ التخويف والإنذار - عقب بالمؤمنين وما لهم جرياً على السنة الإلهية من شفع الترغيب بالترهيب والوعد بالوعيد لأن من الناس من لا يجديه التخويف ولا يجديه وينفعه اللطف، ومنهم عكس ذلك فكأن هذا وما بعده معطوف على سابقه عطف القصة على القصة، والتناسب بينهما باعتبار أنه بيان لحال الفريقين المتباينين وكشف عن الوصفين المتقابلين، وهل هو معطوف علىوَإِن كُنتُمْ } [البقرة: 23] إلىأُعِدَّتْ } [البقرة: 24] أو علىفَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } [البقرة: 24] الآية قولان؟ اختار السيد أولهما، وادعى بعضهم أنه أقضى لحق البلاغة، وادعى لتلائم النظم لأنيَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ } [البقرة: 21] خطاب عام يشمل الفريقينوَإِن كُنتُمْ } [البقرة: 23] الخ مختص بالمخالف ومضمونه الإنذار { وَبَشّرِ } الخ مختص بالموافق ومضمونه البشارة كأنه تعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناس إلى عبادته، ثم أمر أن ينذر من عاند ويبشر من صدق، والسعد اختار ثانيهما لأن السوق لبيان حال الكفار ووصف عقابهم. وقيل عطف علىفَٱتَّقُواْ } [البقرة: 24] وتغاير المخاطبين لا يضر كـيُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِى } [يوسف: 29] وترتبه على الشرط بحكم العطف باعتبار أن ـ اتقوا ـ إنذار وتخويف للكفار { وَبَشّرِ } تبشيراً للمؤمنين، وكل منهما مترتب على عدم المعارضة بعدم التحدي لأن عدم المعارضة يستلزم ظهور إعجازه وهو يستلزم استيجاب منكره العقاب، ومصدقه الثواب لأن الحجة تمت والدعوة كملت، واستيجابهما إياهما يقتضي الإنذار والتبشير، فترتب الجملة الثانية على الشرط ترتب الأولى عليه بلا فرق، وقد يقال إن الجزاء (فآمنوا) محذوفاً والمذكور قائم مقامه؛ فالمعنى إن لم تأتوا بكذا فآمنوا { وَبَشّرِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي فليوجد إيمان منهم وبشارة منك ووضع الظاهر موضع الضمير، وفيه حث لهم على الإيمان، ولعله أقل مؤنة. واختار صاحب «الإيضاح» عطفه على ـ أنذر ـ مقدراً بعد جملةأُعِدَّتْ } [البقرة: 24] وقيل: عطف على ـ قل ـ قبل { وَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } وتقديره قبليَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } [البقرة: 21] يحوج إلى إجراءمّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } [البقرة: 23] على طريقة كلام العظماء، أو تقدير قال الله بعد قل.

والبشارة ـ بالكسر والضم ـ اسم من بشر بشراً وبشوراً ـ وتفتح الباء ـ فتكون بمعنى الجمال، وفي الفعل لغتان، التشديد وهي العليا، والتخفيف وهي لغة أهل تهامة، وقرىء بهما في المضارع في مواضع والتكثير في المشدد بالنسبة إلى المفعول، فإن واحداً كان فعل فيه مغنياً عن فعل، وفسروها في المشهور، وصحح بالخبر السار الذي ليس عند المخبر علم به، واشترط بعضهم أن يكون صدقاً، وعن سيبويه إنها خبر يؤثر في البشرة حزناً أو سروراً وكثر استعماله في الخير، وصححه في «البحر»

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8