الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

{ مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ } { مَنْ } استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء، و { ذَا } خبره و { ٱلَّذِى } صفة له أو بدل منه، ولا يجوز أن يكون { مَن ذَا } بمنزلة اسم واحد مثل ما تكون ماذا كذلك كما نص عليه أبو البقاء لأن ما أشد إبهاماً من ـ من ـ وإقراض الله تعالى مثل لتقديم العمل العاجل طلباً للثواب الآجل، والمراد هٱهنا إمّا الجهاد المشتمل على بذل النفس والمال، وإمّا مطلق العمل الصالح، ويدخل فيه ذلك دخولاً أولياً، وعلى كلا التقديرين لا يخفى انتظام الجملة بما قبلها { قَرْضًا } إمّا مصدر بمعنى ـ إقراضاً ـ فيكون نصباً على المصدرية، وإما بمعنى المفعول فيكون نصباً على المفعولية، وقوله سبحانه: { حَسَنًا } صفة له على الوجهين وجهة الحسن على الأول الخلوص مثلاً وعلى الثاني الحل والطيب، وأخرج ابن أبـي حاتم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ـ القرض الحسن ـ المجاهدة والانفاق في سبيل الله تعالى، وعليه يلتئم النظم أتم التئام { فَيُضَـٰعفَهُ } أي ـ القرض ـ { لَهُ } وجعله ـ مضاعفاً ـ مجاز لأنه سبب ـ المضاعفة ـ وجوز تقدير مضاف أي ـ فيضاعف ـ جزاءه، وصيغة المفاعلة ليست على بابها إذ لا مشاركة وإنما اختيرت للمبالغة المشيرة إليها المغالبة.

وقرأ عاصم بالنصب، وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون ـ معطوفاً ـ على مصدر ـ يقرض ـ في المعنى أي ـ من ذا الذي ـ يكون منه قرض فمضاعفة من الله تعالى، وثانيهما: أن يكون جواباً لاستفهام معنى أيضاً لأن المستفهم/ عنه وإن كان المقرض في اللفظ إلا أنه في المعنى الإقراض فكأنه قيل: أيقرض الله تعالى أحد فيضاعفه وهذا ما اختاره أبو البقاء ولم يجوز أن يكون جواب الاستفهام في اللفظ لأن المستفهم عنه فيه المقرض لا القرض ولا عطفه على المصدر الذي هو قرضاً كما يعطف الفعل على المصدر بإضمار إن لأمرين ـ على ما قيل ـ الأوّل: أن (قرضاً) هنا مصدر مؤكد وهو لا يقدر بأن والفعل، والثاني: إن عطفه عليه يوجب أن يكون معمولاً ليقرض، ولا يصح هذا لأن المضاعفة ليست مقروضة، وإنما هي فعل من الله تعالى وفيه تأمل، وقرأ ابن كثير (يضعفه) بالرفع والتشديد، ويعقوب وابن عامر (يضعفه) بالنصب.

{ أَضْعَافًا } جمع ضعف وهو مثل الشيء في المقدار إذا زيد عليه فليس بمصدر والمصدر الإضعاف أو المضاعفة فعلى هذا يجوز أن يكون حالاً من الهاء في { يُضَـٰعِفْهُ } وأن يكون مفعولاً ثانياً على المعنى بأن تضمن المضاعفة معنى التصيير، وجوّز أن يعتبر واقعاً موقع المصدر فينتصب على المصدرية حينئذ، وإنما جمع والمصادر لا تثنى ولا تجمع لأنها موضوعة للحقيقة من حيث هي لقصد الأنواع المختلفة، والمراد به أيضاً إذ ذاك الحقيقة لكنها تقصد من حيث وجودها في ضمن أنواعها الداخلة تحتها { كَثِيرَةً } لا يعلم قدرها إلا الله تعالى، وأخرج الإمام أحمد وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن أبـي عثمان النهدي قال: بلغني عن أبـي هريرة أنه قال: إن الله تعالى ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة فحججت ذلك العام ولم أكن أريد أن أحج إلا للقائه في هذا الحديث فلقيت أبا هريرة فقلت له: فقال: ليس هذا قلت ولم يحفظ الذي حدثك إنما قلت إن الله تعالى ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة ثم قال أبو هريرة: أوَ ليس تجدون هذا في كتاب الله تعالى: { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً }؟ فالكثيرة عنده تعالى أكثر من ألفي ألف وألفي ألف والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

السابقالتالي
2 3