الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوٰجًا } عود إلى بيان بقية الأحكام المفصلة فيما سبق، وفي { يُتَوَفَّوْنَ } مجاز المشارفة { وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ قرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة عن عاصم بنصب { وَصِيَّةٍ } على المصدرية، أو على أنها مفعول به، والتقدير ليوصوا أو يوصون وصية أو كتب الله تعالى عليهم، أو/ ألزموا وصية ويؤيد ذلك قراءة عبد الله (كتب عليكم الوصية لأزواجكم متاعاً إلى الحول) مكان { وَٱلَّذِينَ } الخ، وقرأ الباقون ـ بالرفع ـ على أنه خبر بتقدير ليصح الحمل أي ووصية الذين يتوفون أو حكمهم وصية أو { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ } أهل وصية، وجوّز أن يكون نائب فاعل فعل محذوف، أو مبتدأ لخبر محذوف مقدّم عليه أي: كتب عليهم أو عليهم وصية وقرأ أبيّ (متاع لأزواجهم)، وروي عنه { فَمَتَـٰعُ } بالفاء.

{ مَّتَـٰعًا إِلَى ٱلْحَوْلِ } نصب بيوصون إن أضمرته ويكون من باب الحذف والإيصال، وإلا فبالوصية لأنها بمعنى التوصية، وبمتاع على قراءة أبـيّ لأنه بمعنى التمتع { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } بدل منه بدل اشتمال إن اعتبر اللزوم بين التمتع { إِلَى ٱلْحَوْلِ } وبين ـ غير الإخراج ـ وبدل الكل بحسب الذات فإنهما متحدان بالذات، ومتغايران بالوصف، وذكر بعضهم أنه على تقدير البدل لا بدّ من تقدير مضاف إلى غير تقديره: متاعاً إلى الحول متاع غير إخراج وإلا لم يصح لأن متاعاً مفسر بالإنفاق، { وَغَيْرُ إِخْرَاجٍ } عبارة عن الإسكان وليس مدلوله مدلول الأوّل، ولا جزأه، ولا ملابساً له، فيكون بدل غلط ـ وهو لا يصح في الكلام المجيد ـ فيتعين التقدير، وحينئذ يكون إبدال الخاص من العام وهو من قيبل إبدال الكل من الجزء نحو ـ رأيت القمر فلكه ـ وهو بدل الاشتمال ـ كما صرح به صاحب «المفتاح» ـ وأجيب بأنا لا نسلم أنّ متاعاً مفسر بالإنفاق فقط بل ـ المتاع ـ عام شامل للإنفاق والإسكان جميعاً، فيكون { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } عبارة عن الإسكان الذي هو بعض من { مَّتَـٰعًا } فيكون بدل البعض من الكل، وجوّز أن يكون مصدراً مؤكداً لأن ـ الوصية بأن يمتعن حولا ـ يدل على أنهنّ لا يخرجن، فكأنه قيل: لا يخرجن غير إخراج ويكون تأكيداً لنفي ـ الإخراج ـ الدال عليهلا يَخْرُجْنَ } [الطلاق: 1] فيؤول إلى قولك: لا يخرجن لا يخرجن، وأن يكون حالا من (أزواجهم) والأكثرون على أنها حال مؤكدة إذ لا معنى لتقييد ـ الإيصاء ـ بمفهوم هذه الحالة وأنها مقدّرة لأنّ معنى نفي ـ الإخراج إلى الحول ـ ليس مقارناً ـ للإيصاء ـ وفيه تأمّل، وأن يكون صفة (متاع) أو منصوباً بنزع الخافض، والمعنى: يجب على الذين يتوفون أن يوصوا قبل أن يحتضروا لأزواجهم بأن يمتعن بعدهم ـ حولا ـ بالنفقة والسكنى، وكان ذلك على الصحيح في أوّل الإسلام ثم نسخت المدّة بقوله تعالى:

السابقالتالي
2