الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي آخر عدتهن فهو مجاز من قبيل استعمال الكل في الجزء إن قلنا: إن الأجل حقيقة في جميع المدة ـ كما يفهمه كلام الصحاح ـ وهو الدائر في كلام الفقهاء، ونقل الأزهري عن الليث يدل على أنه حقيقة في الجزء الأخير، وكلا الاستعمالين ثابت في الكتاب الكريم، فإن كان من باب الاشتراك فذاك وإلا فالتجوّز من الكل إلى الجزء الأخير أقوى من العكس ـ والبلوغ ـ في الأصل الوصول وقد يقال للدنوّ منه ـ وهو المراد في الآية ـ وهو إمّا من مجاز المشارفة أو الاستعارة تشبيهاً للمتقارب الوقوع بالواقع ليصح أن يرتب عليه:

{ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } إذ لا إمساك بعد انقضاء الأجل لأنها حينئذٍ غير زوجة له ولا في عدّته فلا سبيل له عليها ـ والإمساك ـ مجاز عن المراجعة لأنها سببه ـ والتسريح ـ بمعنى الإطلاق وهو مجاز عن الترك، والمعنى فراجعوهن من غير ضرار أو خلوهن حتى تنقضي عدّتهنّ من غير تطويل، وهذا إعادة للحكم في صورة بلوغهنّ أجلهنّ اعتناءاً لشأنه ومبالغة في إيجاب المحافظة عليه، ومن الناس من حمل ـ الإمساك بالمعروف ـ على عقد النكاح وتجديده مع حسن المعاشرة ـ والتسريح بالمعروف ـ على ترك العضل عن التزوّج بآخر، وحينئذٍ لا حاجة إلى القول بالمجاز في { بَلَغْنَ } ولا يخفى بعده عن سبب النزول، فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي أنّ رجلاً من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق زوجته حتى إذا انقضت/ عدّتها إلا يومين أو ثلاثة راجعها ثم طلقها ففعل ذلك بها حتى مضت لها تسعة أشهر يضارها فأنزل الله تعالى هذه الآية { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا } تأكيد للأمر ـ بالإمساك بالمعروف ـ وتوضيح لمعناه وهو أدل منه على الدوام والثبات؛ وأصرح في الزجر عما كانوا يتعاطونه، و (ضراراً) نصب على العلية أو الحالية أي لا ترجعوهن للمضارّة أو مضارين، ومتعلق النهي القيد ـ واللام ـ في قوله تعالى: { لّتَعْتَدُواْ } متعلق بـ { ضِرَارًا } أي لتظلموهن بالإلجاء إلى الافتداء، واعترض بأن ـ الضرار ـ ظلم ـ والاعتداء ـ مثله فيؤول إلى: ولا تمسكوهن ظلما لتظلموا وهو كما ترى، وأجيب بأنّ المراد ـ بالضرار ـ تطويل المدة ـ وبالاعتداء ـ الإلجاء، فكأنه قيل: لا تمسكوهنّ بالتطويل لتلجئوهنّ إلى الاختلاع والظلم قد يقصد ليؤدّي إلى ظلم آخر، والمشهور أن هذا الوجه متعين على الوجه الأوّل في { ضِرَارًا } ولا يجوز عليه أن يكون هذا علة لما كان هو له إذ المفعول له لا يتعدّد إلا بالعطف، أو على البدل ـ وهو غير ممكن لاختلاف الإعراب ـ ويجوز أن يكون كذلك على الوجه الثاني، وجوّز تعلقه بالفعل مطلقاً إذا جعلت ـ اللام ـ للعاقبة، ولا ضرر في تعدّي الفعل إلى علة وعاقبة لاختلافهما وإن كانت ـ اللام ـ حقيقة فيهما على رأي.

السابقالتالي
2 3