الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ } الإيلاء ـ كما قال الراغب ـ الحلف الذي يقتضي النقيصة في الأمر الذي يحلف فيه من قوله تعالى:لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } [آل عمران: 118] أي باطلاًوَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ } [النور: 22] وصار في الشرع عبارة عن الحلف المانع عن جماع المرأة، فـ { يُؤْلُونَ } أي يحلفون، و { مِن نّسَائِهِمْ } على حذف المضاف، أو من إقامة العين مقام الفعل المقصود منه للمبالغة، وعدى القسم على المجامعة بـ { مِنْ } لتضمنه معنى البعد، فكأنه قيل: يبعدون من نسائهم مولين، وقيل: إن هذا الفعل يتعدى بـ (من) وعلى، ونقل أبو البقاء عن بعضهم من أهل اللغة تعديته بـ (من) وقيل: بها بمعنى على، وقيل: بمعنى في، وقيل: زائدة، وجوّز جعل الجار ظرفاً مستقراً، أي استقرّ لهم من نسائهم.

{ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } وقرأ [عبد الله] { أَلوا مِن نّسَائِهِمْ } وفي مصحف أبـيّ { لِلَّذِينَ يَقْسِمُونَ } وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ والتربص ـ الانتظار والتوقف وأضيف إلى الظرف على الاتساع ـ وإجراء المفعول فيه مجرى المفعول به، والمعنى على الظرفية وهو مبتدأ ما قبله خبره أو فاعل للظرف ـ على ما ذهب إليه الأخفش من جواز عمله وإن لم يعتمد ـ والجملة ـ على التقديرين ـ بمنزلة الاستثناء من قوله سبحانه.وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } [البقرة: 225] فإن ـ الإيلاء ـ لكون أحد الأمرين لازماً له الكفارة على تقدير الحنث من غير إثم، والطلاق على تقدير البر مخالف لسائر الأيمان المكتوبة حيث يتعين فيها ـ المؤاخذة ـ بهما أو بأحدهما عند الشافعي ـ والمؤاخذة ـ الأخروية عند أبـي حنيفة رضي الله تعالى عنه، فكأنه قيل: إلا الإيلاء فإنّ حكمه غير ما ذكر، ولذلك لم تعطف هذه الجملة على ما قبلها، وبعد أن ذكر سبحانه وتعالى ـ أنَّ للمولين من نسائهم تربص أربعة أشهر ـ بين حكمه بقوله تعالى جل شأنه: { فَإِن فَآءوا } أي رجعوا في المدّة { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لما حدث منهم من اليمين على الظلم وعقد القلب على ذلك الحنث، أو بسبب الفيئة والكفارة، ويؤيده قراءة ابن مسعود { فَإِن فَآءوا فِيهِنَّ }.