الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } أخرج البخاري وجماعة عن جابر قال: «كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها ثم حملت جاء الولد أحول فنزلت» والحرث إلقاء البذر في الأرض وهو غير الزرع لأنه إنباته يرشدك إلى ذلك قوله تعالى:أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } [الواقعة: 63ـ64] قال الجوهري: الحرث الزرع والحارث الزارع وعلى كل تقدير هو خبر عما قبله إما بحذف المضاف أي مواضع حرث، أو التجوز والتشبيه البليغ أي كمواضع ذلك وتشبيههن بتلك المواضع متفرع على تشبيه النطف بالبذور من حيث إن كلاً منهما مادة لما يحصل منه ولا يحسن بدونه فهو تشبيه يكنى به عن تشبيه آخر.

{ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ } أي ما هو كالحرث ففيه استعارة تصريحية ويحتمل أن يبقى الحرث على حقيقته والكلام تمثيل شبه حال إتيانهم النساء في المأتي بحال إتيانهم المحارث في عدم الاختصاص بجهة دون جهة ثم أطلق لفظ المشبه به على المشبه، والأول أظهر وأوفق لتفريع حكم الإتيان على تشبيههن بالحرث تشبيهاً بليغاً، وهذه الجملة مبينة لقوله تعالى:فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } [البقرة: 222] لما فيه من الإجمال من حيث المتعلق، والفاء جزائية، وما قبلها علة لما بعدها، وقدم عليه اهتماماً بشأن العلة وليحصل الحكم معللا فيكون أوقع، ويحتمل أن يكون المجموع كالبيان لما تقدم، والفاء للعطف وعطف الإنشاء على الإخبار جائز بعاطف سوى الواو { إِنّىٰ شِئْتُمْ } قال قتادة والربيع: من أين شئتم وقال مجاهد: كيف شئتم، وقال الضحاك: متى شئتم، ومجيء { أَنّىٰ } بمعنى ـ أين ـ وكيف ومتى مما أثبته الجم الغفير، وتلزمها على الأول ـ من ـ ظاهرة أو مقدرة، وهي شرطية حذف جوابها لدلالة الجملة السابقة عليه، واختار بعض المحققين كونها هنا بمعنى من أين أي من أي جهة ليدخل فيه بيان النزول، والقول بأن الآية حينئذ تكون دليلاً على جواز الإتيان من الأدبار ناشىء من عدم التدبر في أن ـ من ـ لازمة إذ ذاك فيصير المعنى من أي مكان لا في أي مكان فيجوز أن يكون المستفاد حينئذ تعميم الجهات من القدام والخلف والفوق والتحت واليمين والشمال لا تعميم مواضع الاتيان فلا دليل في الآية لمن جوز إتيان المرأة في دبرها كابن عمر، والأخبار عنه في ذلك صحيحة مشهورة، والروايات عنه بخلافها على خلافها، وكابن أبـي مليكة وعبد الله بن القاسم حتى قال فيما أخرجه الطحاوي عنه: ما أدركت أحداً اقتدي به في ديني يشك في أنه حلال، وكمالك بن أنس حتى أخرج الخطيب عن أبي سلمان الجوزجاني أنه سأله عن ذلك فقال له: / الساعة غسلت رأس ذكري منه، وكبعض الإمامية لا كلهم كما يظنه بعض الناس ممن لا خبرة له بمذهبهم، وكسحنون من المالكية، والباقي من أصحاب مالك ينكرون رواية الحل عنه ولا يقولون به، ويا ليت شعري كيف يستدل بالآية على الجواز مع ما ذكرناه فيها، ومع قيام الاحتمال كيف ينتهض الاستدلال لا سيما وقد تقدم قبل وجوب الاعتزال في المحيض وعلل بأنه أذى مستقذر تنفر الطباع السليمة عنه، وهو يقتضي وجوب الاعتزال عن الإتيان في الأدبار لاشتراك العلة، ولا يقاس ما في المحاش من الفضلة بدم الاستحاضة ومن قاس فقد أخطأت إسته الحفرة لظهور الاستقذار.

السابقالتالي
2 3 4