الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

{ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاء بِنَاء } الموصول إما منصوب على أنه نعترَبُّكُـمْ } [البقرة: 21] أو بدل منه أو مقطوع بتقدير أخص أو أمدح وكونه مفعولتَتَّقُونَ } [البقرة: 21] ـ كما قاله أبو البقاء ـ إعراب غث ينزه القرآن عنه، وكونه نعت الأول يرد عليه أن النعت لا ينعت عند الجمهور إلا في مثل يا أيها الفارس ذو الجمة، وفيه أيضاً غير مجمع عليه، وإما مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره جملة { فَلاَ تَجْعَلُواْ } والفاء قد تدخل في خبر الموصول بالماضي كقوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [البروج: 10] إلى قوله تعالى:فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ } [البروح: 10] والاسم الظاهر يقوم مقام الرابط عند الأخفش والإنشاء يقع خبراً بالتأويل المشهور، ومع هذا كله الأولى ترك ما أوجبه وأبرد من يخ قول من زعم أنه مبتدأ خبره { رِزْقاً لَّكُمْ } بتقدير يرزق، و { جَعَلَ } بمعنى صير والمنصوبان بعده مفعولاه، وقيل: بمعنى أوجد وانتصاب الثاني على الحالية أي أوجد الأرض حالة كونها مفترشة لكم فلا تحتاجون للسعي في جعلها كذلك، ومعنى تصييرها فراشاً أي كالفراش في صحة القعود والنوم عليها أنه سبحانه جعل بعضها بارزاً عن الماء مع أن مقتضى طبعها أن يكون الماء محيطاً بأعلاها لثقلها وجعلها متوسطة بين الصلابة واللين ليتيسر التمكن عليها بلا مزيد كلفة، فالتصيير باعتبار أنه لما كانت قابلة لما عدا ذلك فكأنه نقلت منه، وإن صح ما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الأرض خلقت قبل خلق السماء غير مدحوة فدحيت بعد خلقها ومدت فأمر التصيير حينئذ ظاهر إلا أن كل الناس غير عالمين به، والصفة يجب أن تكون معلومة للمخاطب والذهاب إلى الطوفان، واعتبار التصيير بالقياس إليه من اضطراب أمواج الجهل ولا ينافي كرويتها كونها فراشاً لأن الكرة إذا عظمت كان كل قطعة منها كالسطح في افتراشه كما لا يخفى. وعبر سبحانه هنا بجعل وفيما تقدم بخلق لاختلاف المقام أو تفنناً في التعبير كما في قوله تعالى:خُلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ } [الأنعام: 1] وتقديم المفعول الغير الصريح/ لتعجيل المسرة ببيان كون ما يعقبه من منافع المخاطبين أو للتشويق إلى ما يأتي بعده لا سيما بعد الإشعار بمنفعته فيتمكن عند وروده فضل تمكن، أو لما في المؤخر وما عطف عليه من نوع طول فلو قدم لفات تجاوب الأطراف، واختار سبحانه لفظ السماء على السمٰوات موافقة للفظ الأرض وليس في التصريح بتعددها هنا كثير نفع، ومع هذا يحتمل أن يراد بها مجموع السمٰوات، وكل طبقة وجهة منها، والبناء في الأصل مصدر أطلق على المبني بيتاً كان أو قبة أو خباء أو طرافاً، ومنه بنى بأهله أو على أهله خلافاً للحريري لأنهم كانوا إذا تزوّجوا ضربوا خباء جديداً ليدخلوا على العروس فيه، والمراد بكون السماء بناء أنها كالقبة المضروبة أو أنها كالسقف للأرض، ويقال لسقف البيت بناء، وروى هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقدم سبحانه حال الأرض لما أن احتياجهم إليها وانتفاعهم بها أكثر وأظهر، أو لأنه تعالى لما ذكر خلقهم ناسب أن يعقبه بذكر أول ما يحتاجونه بعده وهو المستقر أو ليحصل العروج من الأدنى إلى الأعلى، أو لأن خلق الأرض متقدم على خلق السماء كما يدل عليه ظواهر كثير من الآيات أو لأن الأرض لكونها مسكن النبيين ومنها خلقوا أفضل من السماء، وفي ذلك خلاف مشهور، وقرأ يزيد الشامي (بساطاً)، وطلحة (مهاداً) وهي نظائر، وأدغم أبو عمرو لام (جعل) في لام (لكم).

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7