الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }

{ يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } قال الواحدي: نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل ومسلبة للمال فأنزل الله تعالى هذه الآية وفي بعض الروايات «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوه عن ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال قوم: ما حرما علينا فكانوا يشربون الخمر إلى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعا أناساً من الصحابة وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا وحضرت صلاة المغرب فقدموا علياً كرم الله تعالى وجهه فقرأقُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [الكافرون: 1] الخ بحذف (لا) فأنزل الله تعالى:لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } [النساء: 43] فقلّ من يشربها ثم اتخذ عتبان بن مالك صنيعاً ودعا رجالاً من المسلمين فيهم سعد بن أبـي وقاص وكان قد شوى لهم رأس بعير فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى أخذت منهم ثم إنهم افتخروا عند ذلك/ وتناشدوا الأشعار فأنشد سعد ما فيه هجاء الأنصار وفخر لقومه فأخذ رجل من الأنصار لحي البعير فضرب به رأس سعد فشجه موضحة فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الأنصار فقال: اللهم بين لنا رأيك في الخمر بياناً شافياً فأنزل الله تعالى:إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } إلى قوله تعالى:فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [المائدة: 90ـ91] وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام فقال عمر رضي الله تعالى عنه: انتهينا يا رب. وعن علي كرم الله تعالى وجهه لو وقعت قطرة منها في بئر فبنيت في مكانها منارة لم أؤذن عليها ولو وقعت في بحر ثم جف فنبت فيه الكلأ لم أرعه دابتي. وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لو أدخلت أصبعي فيها لم تتبعني ـ وهذا هو الإيمان والتقى حقاً ـ.

والخمر عند الإمام أبـي حنيفة رضي الله تعالى عنه التي من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد وسميت بذلك لأنها تخمر العقل أي تستره ومنه خمار المرأة لستره وجهها، والخامر وهو من يكتم الشهادة، وقيل: لأنها تغطى حتى تشتد، ومنه «خمروا آنيتكم» أي غطوها، وقيل: لأنها تخالط العقل وخامره داء خالطه؛ وقيل: لأنها تترك حتى تدرك، ومنه اختمر العجين أي بلغ إدراكه وهي أقوال متقاربة، وعليها فالخمر مصدر يراد به اسم الفاعل أو المفعول ويجوز أن يبقى على مصدريته للمبالغة، وذهب الإمامان إلى عدم اشتراط القذف ويكفي الاشتداد لأن المعنى المحرم يحصل به، وللإمام أن الغليان بداية الشدة وكمالها بقذف الزبد وسكونه إذ به يتميز الصافي من الكدر وأحكام الشرع قطعية فتناط بالنهاية كالحد وإكفار المستحل وحرمة البيع، وأخذ بعضهم بقولهما في حرمة الشرب احتياطاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7