الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ }

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ } عطف على قوله تعالى:فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } [البقرة: 200] والجامع أنه سبحانه لما ساق بيان أحكام الحج إلى بيان انقسام الناس في الذكر والدعاء في تلك المناسك إلى الكافر والمؤمن، تممه سبحانه ببيان قسمين آخرين ـ المنافق والمخلص ـ وأصل ـ التعجب ـ حيرة تعرض للإنسان لجهله بسبب المتعجب منه، وهو هنا مجاز عما يلزمه من الروق والعظمة فإن الأمر الغريب المجهول يستطيبه الطبع ويعظم وقعه في القلوب، وليس على حقيقته لعدم الجهل بالسبب أعني الفصاحة والحلاوة، فالمعنى ومنهم من يروقك ويعظم في نفسك ما يقول { فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } أي في أمور الدنيا وأسباب المعاش ـ سواء كانت عائدة إليه أم لا ـ فالمراد من الحياة ما به الحياة والتعيش،/ أو في معنى الدنيا فإنها مرادة من ادعاء المحبة وإظهار الإيمان ـ فالحياة الدنيا ـ على معناها، وجعله ظرفاً للقول من قبيل قولهم في عنوان المباحث الفصل الأول في كذا والكلام في كذا أي المقصود منه ذلك ولا حذف في شيء من التقديرين على ما وهم وتكون الظرفية حينئذٍ تقديرية كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " أي في قتلها فالسبب الذي هو القتل متضمن للدية تضمن الظرف للمظروف وهذه هي التي يقال لها إنها سببية كذا في الرضي قاله بعض المحققين، وجوز تعلق المجرور بالفعل قبله أي يعجبك في الدنيا قوله لفصاحته وطراوة ألفاظه ولا يعجبك في الآخرة لما يعتريه من الدهشة واللكنة أو لأنه لا يؤذن له في الكلام فلا يتكلم حتى يعجبك، والآية كما قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بن زهرة «أقبل إلى النبـي صلى الله عليه وسلم في المدينة فأظهر له الإسلام وأعجب النبـي صلى الله عليه وسلم ذلك منه وقال: إنما جئت أريد الإسلام والله تعالى يعلم إني لصادق ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بزرع [لقوم] من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر» وقيل: في المنافقين كافة.

{ وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ } أي بحسب ادعائه حيث يقول الله يعلم أن ما في قلبـي موافق لما في لساني وهو معطوف على { يُعْجِبُكَ } وفي مصحف أبـيّ (ويستشهد الله)، وقرىء (ويشهد الله) بالرفع، فالمراد بما في قلبه ما فيه حقيقة، ويؤيده قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، (والله يشهد على ما في قلبه) على أن كلمة على لكون المشهود به مضراً له، والجملة حينئذٍ اعتراضية.

{ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } أي شديد المخاصمة في الباطل كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما واستشهد عليه بقول مهلهل:

السابقالتالي
2