الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ }

{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } أي حرج في { أَن تَبْتَغُواْ } أي تطلبوا { فَضْلاً مِّن رَّبّكُمْ } أي رزقاً منه تعالى بالربح بالتجارة في مواسم الحج، أخرج البخاري وغيره ـ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه ـ قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في الموسم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم/ عن ذلك فنزلت، واستدل بها على إباحة التجارة والإجارة وسائر أنواع المكاسب في الحج وأن ذلك لا يحبط أجراً ولا ينقص ثواباً، ووجه الارتباط أنه تعالى لما نهى عن الجدال في الحج كان مظنة للنهي عن التجارة فيه أيضاً لكونها مفضية في الأغلب إلى النزاع في قلة القيمة وكثرتها فعقب ذلك بذكر حكمها، وذهب أبو مسلم إلى المنع عنها في الحج، وحمل الآية على ما بعد الحج، وقال؛ المراد واتقون في كل أفعال الحج ثم بعد ذلك ليس عليكم جناح الخ كقوله تعالى:فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَٰوةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } [الجمعة: 10] وزيف بأن حمل الآية على محل الشبهة أولى من حملها على ما لا شبهة فيه ومحل الاشتباه هو التجارة في زمان الحج. وأما بعد الفراغ فنفي الجناح معلوم وقياس الحج على الصلاة فاسد فإن الصلاة أعمالها متصلة فلا يحل في أثنائها التشاغل بغيرها، وأعمال الحج متفرقة تحتمل التجارة في أثنائها، وأيضاً الآثار لا تساعد ما قاله فقد سمعت ما أخرجه البخاري، وقد أخرج أحمد وغيره " عن أبـي أمامة التيمي قال سألت ابن عمر فقلت: إنا قوم نكري في هذا الوجه وإن قوماً يزعمون أنه لا حج لنا قال: ألستم تلبون ألستم تطوفون بين الصفا والمروة ألستم ألستم؟؟ قلت بلى قال: إن رجلاً سأل النبـي صلى الله عليه وسلم عما سألت عنه فلم يدر ما يرد عليه حتى تزلت { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } الآية فدعاه فتلا عليه حين نزلت وقال: " أنتم الحجاج " وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقرأ فيما أخرجه البخاري وعبد ابن حميد وابن جرير وغيرهم عنه { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ } في مواسم الحج، وكذلك روي عن ابن مسعود، وأيضاً ـ الفاء ـ في قوله تعالى: { فَإِذَا أَفَضْتُم مّنْ عَرَفَـٰتٍ } ظاهرة في أن هذه الإفاضة حصلت عقيب ابتغاء الفضل وذلك مؤذن بأن المراد وقوع التجارة في زمان الحج، نعم قال بعضهم: إذا كان الداعي للخروج إلى الحج هو التجارة أو كانت جزء العلة أضر ذلك بالحج لأنه ينافي الإخلاص لله تعالى به ـ وليس بالبعبد ـ و { أَفَضْتُمْ } من الإفاضة من فاض الماء إذا سال منصباً.

السابقالتالي
2 3 4