الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } أي اجعلوهما تامين إذا تصديتم لأدائهما لوجه الله تعالى فلا دلالة في الآية على أكثر من وجوب الإتمام بعد الشروع فيهما وهو متفق عليه بين الحنفية والشافعية رضي الله تعالى عنهم، فإن إفساد الحج والعمرة مطلقاً يوجب المضيّ في بقية الأفعال والقضاء، ولا تدل على وجوب الأصل، والقول بالدلالة بناءاً على أن الأمر ـ بالإتمام ـ مطلقاً يستلزم الأمر/ بالأداء لما تقرر من أن ما لا يتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب ـ ليس بشيء ـ لأن الأمر بالإتمام يقتضي سابقية الشروع فيكون الأمر بالإتمام مقيداً بالشروع، وادعاء أن المعنى ائتوا بهما حال كونهما تامين مستجمعي الشرائط والأركان، وهذا يدل على وجوبهما لأن الأمر ظاهر فيه، ويؤيده قراءة (وأقيموا الحج والعمرة) ليس بسديد. أما أولاً: فلأنه خلاف الظاهر وبتقدير قبوله في مقام الاستدلال يمكن أن يجعل الوجوب المستفاد من الأمر فيه متوجهاً إلى القيد ـ أعني تامين ـ لا إلى أصل الإتيان كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " بيعوا سواء بسواء " وأما ثانياً: فلأن الأمر في القراءة محمول على المعنى المجازي المشترك بين الواجب والمندوب ـ أعني طلب الفعل ـ والقرينة على ذلك الأحاديث الدالة على استحباب العمرة، فقد أخرج الشافعي في «الأم» وعبد الرزاق وابن أبـي شيبة وعبد بن حميد وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " الحج جهاد والعمرة تطوع " وأخرج الترمذي وصححه ـ عن جابر ـ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة، أواجبة هي؟ قال: " لا، وأن تعتمروا خير لكم " ويؤيد ذلك أن ابن مسعود صاحب هذه القراءة قال فيما أخرجه عند ابن أبـي شيبة وعبد بن حميد: " الحج فريضة والعمرة تطوع " وأخرج ابن أبـي داود في «المصاحف» ـ عنه أيضاً ـ أنه كان يقرأ ذلك ثم يقول: والله لولا التحرج أني لم أسمع فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لقلت: إن العمرة واجبة مثل الحج، وهذا يدل على أنه رضي الله تعالى عنه لم يجعل الأمر بالنسبة إليها للوجوب لأنه لم يسمع شيئاً فيه ـ ولعله سمع ما يخالفه ـ ولهذا جزم في الرواية الأولى عنه بفرضية الحج واستحباب العمرة، وكأنه لذلك حمل الأمر في قراءته على القدر المشترك الذي قلناه لا غير بناءاً على امتناع استعمال المشترك في معنييه؛ وعدم جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز والميل إلى عدم تقدير فعل موافق للمذكور يراد به الندب، نعم لا يعد ما ذكر صارفاً إلا إذا ثبت كونه قبل الآية، أما إذا ثبت كونه بعدها فلا لأنه يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد لما أن الأمر ظاهر في الوجوب، وليس مجملاً في معانيه على الصحيح حتى يحمل الخبر على تأخير البيان ـ على ما وهم ـ والقول ـ بأن أحاديث الندب سابقة ولا تصرف الأمر عن ظاهره بل يكون ذلك ناسخاً لها ـ سهو ظاهر لأن الأحاديث نص في الاستحباب، والقرآن ظاهر في الوجوب فكيف يكون الظاهر ناسخاً للنص، والحال أن النص مقدم على الظاهر عن التعارض.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9