الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُم بِٱلْبَـٰطِلِ } والمراد من ـ الأكل ـ ما يعم الأخذ والاستيلاء، وعبر به/ لأنه أهم الحوائج ـ وبه يحصل إتلاف المال غالباً ـ والمعنى لا يأكل بعضكم مال بعض، فهو على حدولا تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ } [الحجرات: 11] وليس من تقسيم الجمع على الجمع، كما في ـ ركبوا دوابهم ـ حتى يكون معناه لا يأكل كل واحد منكم مال نفسه، بدليل قوله سبحانه: { بَيْنِكُمْ } فإنه ـ بمعنى الواسطة ـ يقتضي أن يكون ما يضاف إليه منقسماً إلى طرفين بكون الأكل والمال حال الأكل متوسطاً بينهما ـ وذلك ظاهر على المعنى المذكور ـ والظرف متعلق بـ { تَأْكُلُواْ } كالجار والمجرور بعده، أو بمحذوف حال من الأموال ـ والباء ـ للسببية والمراد من الباطل الحرام، كالسرقة والغصب، وكل ما لم يأذن بأخذه الشرع.

{ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ } عطف على { تَأْكُلُواْ } فهو منهي عنه مثله مجزوم بما جزم به وجوز نصبه بأن مضمرة ومثل هذا التركيب وإن كان للنهي عن الجمع إلا أنه لا ينافي أن يكون كل من الأمرين منهياً عنه والإدلاء في الأصل إرسال الحبل في البئر ثم استعير للتوصل إلى الشيء أو الإلقاء ـ والباء ـ صلة الإدلاء وجوز أن تكون سببية والضمير المجرور للأموال أي لا تتوصلوا، أو لا تلقوا بحكومتها والخصومة فيها إلى ـ الحكام ـ وقيل: لا تلقوا بعضها إلى حكام السوء على وجه الرشوة، وقرأ أبـيّ { وَلاَ تدلوا }.

{ لِتَأْكُلُواْ } بالتحاكم والرفع إليهم { فَرِيقاً } قطعة وجملة. { مِنْ أَمْوٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلإثْمِ } أي بسبب ما يوجب إثماً كشهادة الزور واليمين الفاجرة، ويحتمل أن تكون ـ الباء ـ للمصاحبة أي متلبسين ـ بالإثم ـ والجار والمجرور على الأول: متعلق بتأكلوا وعلى الثاني: حال من فاعله وكذلك { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } ومفعول العلم محذوف أي ـ تعلمون ـ أنكم مبطلون، وفيه دلالة على أن من لا يعلم أنه مبطل، وحكم له الحاكم بأخذ مال فإنه يجوز له أخذه، أخرج ابن أبـي حاتم عن سعيد بن جبير مرسلاً أن عبدان بن أشوع الحضرمي، وامرؤ القيس بن عابس اختصما في أرض ولم تكن بينة فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحلف امرؤ القيس فهم به فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا } [آل عمران: 77] فارتدع عن اليمين وسلم الأرض فنزلت.

واستدل بها على أن حكم القاضي لا ينفذ باطناً فلا يحل به الأخذ في الواقع، وإلى ذلك ذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وأبو يوسف ومحمد، ويؤيده ما أخرجه البخاري ومسلم عن أم سلمة زوج النبـي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2