الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ }. البر اسم جامع لأنواع الخير والطاعات المقربة إلى الله تعالى ـ والخطاب لأهل الكتابين ـ والمراد من { قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } السمتان المعينان، فإن اليهود تصلي ـ قبل المغرب ـ إلى بيت المقدس من أفق مكة، والنصارى ـ قبل المشرق ـ والآية/ نزلت رداً عليهم حيث أكثروا الخوض في أمر القبلة وادعى كل طائفة حصر ـ البر ـ على قبلته رداً على الآخر فرد الله تعالى عليهم جميعاً بنفي جنس البر عن قبلتهم لأنها منسوخة، فتعريفه للجنس لإفادة عموم النفي ـ لا للقصر ـ إذ ليس المقصود نفي القصر أو قصر النفي. ويحتمل أن يكون الخطاب عاماً لهم وللمسلمين ـ فيكون عوداً على بدء ـ فإن الكلام في أمر القبلة وطعنهم في النبـي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أساس الكلام إلى هذا القطع، فجعل خاتمة كلية أجمل فيها ما فصل. والمراد من ذكر المشرق والمغرب التعميم ـ لا تعيين السمتين ـ وتعريف البر حينئذ إما للجنس فيفيد القصر، والمقصود نفي اختصاص البر بشأن القبلة مطلقاً على ما يقتضيه الحال من كثرة الاشتغال والاهتمام بذلك والذهول عما سواه، وإما لعهد أي ليس البر العظيم الذي أكثرتم الخوض فيه وذهلتم عما سواه ذلك، وقدم المشرق على المغرب مع تأخر زمان الملة النصرانية رعاية لما بينهما من الترتيب المتفرع على ترتيب الشروق والغروب، وقرأ حمزة وحفص ـ البر ـ بالنصب والباقون بالرفع ووجه الأول: أن يكون خبراً مقدما كما في قوله:
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم   فليس (سواءاً) عالم وجهول
وحسن ذلك أن المصدر المؤول أعرف من المحلى باللام لأنه يشبه الضمير من حيث إنه لا يوصف ولا يوصف به والأعرف أحق بالاسمية ولأن في الاسم طولاً فلو روعي الترتيب المعهود لفات تجاوب أطراف النظم الكريم، ووجه الثانية: أن كل فريق يدعي أن البر هذا فيجب أن يكون الرد موافقاً لدعواهم وما ذلك إلا بكون البر اسماً كما يفصح عنه جعله مخبراً عنه في الاستدراك. وقرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } بالنصب (بأن تولوا) ـ بالباء ـ.

{ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ } تحقيق للحق بعد بيان بطلان الباطل، و ـ ال ـ في البر إما للجنس فيكون القصر ادعائياً لكمال ذلك الجنس في هذا الفرد، وإما للعهد أي ما ينبغي أن يهتم به ويعتني بشأنه ويجد في تحصيله، والكلام على حذف مضاف أي ـ برّ من آمن ـ إذ لا يخبر بالجثة عن المعنى ويجوز أن لا يرتكب الحذف ويجعل المصدر بمعنى اسم الفاعل أو يقال باطلاق البر على البار مبالغة، والأول أوفق لقوله: { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } وأحسن في نفسه لأنه كنزع الخف عند الوصول إلى الماء ولأن المقصود من كون ذي البر من آمن إفادة أن البر إيمانه فيؤول إلى الأول.

السابقالتالي
2 3 4 5