الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ } أخرج البيهقي عن أبـي الضحى ـ معضلاً ـ أنه كان للمشركين حول الكعبة ثلثمائة وستون صنماً، فلما سمعوا هذه الآية تعجبوا وقالوا: إن كنت صادقاً فأت بآية نعرف بها صدقك فنزلت. ولفرط جهلهم لم يكفهم الحجة الإجمالية المشير إليها الوصفان، وإنما جمع السمٰوات وأفرد الأرض للانتفاع بجميع أجزاء الأولى باعتبار ما فيها من نور كواكبها وغيره دون الثانية فإنه إنما ينتفع بواحدة من آحادها ـ وهي ما نشاهده منها ـ وقال أبو حيان: لم تجمع الأرض لأن جمعها ثقيل وهو مخالف للقياس، ورب مفرد لم يقع في القرآن جمعه لثقله وخفة المفرد، وجمع لم يقع مفرده ـ كالألباب ـ وفي «المثل السائر» نحوه، وقال بعض المحققين: جمع السمٰوات لأنها طبقات ممتازة كل واحدة من الأخرى بذاتها الشخصية كما يدل عليه قوله تعالى:فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } [البقرة: 29] سواء كانت متماسة ـ كما هو رأي الحكيم ـ أو لا كما جاء/ في الآثار ـ أن بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام ـ مختلفة الحقيقة لما أن الاختلاف في الآثار المشار إليه بقوله تعالى:وَأَوْحَىٰ فِى كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا } [فصلت: 12] يدل عليه، ولم يجمع الأرض لأن طبقاتها ليست متصفة بجميع ذلك فإنها، سواء كانت متفاصلة بذواتها، كما ورد في الأحاديث ـ من أن بين كل أرضين كما بين كل سماءين ـ أو لا تكون متفاصلة ـ كما هو رأي الحكيم ـ غير مختلفة في الحقيقة اتفاقاً.

{ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي تعاقبهما وكون كل منهما خلفاً للآخر، أو اختلاف كل منهما في أنفسهما ازدياداً وانتقاصاً، أو ظلمة ونوراً، وقدم الليل لسبقه في الخلق أو لشرفه.

{ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ } عطف على { خُلِقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } لا على { ٱلسَّمَـٰوَاتِ } أو عطف على { ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } ، { وَٱلْفُلْكِ } من الألفاظ التي استعملت مفرداً وجمعاً، وقدر بينهما تغاير اعتباري، فإن اعتبر أن ضمته أصلية كضمة ـ قفل ـ فمفرد، وإن اعتبر أنها عارضة كضمة ـ أسد ـ فجمع، ومن الأول: قوله تعالى:فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [يسۤ: 41] ومن الثاني: قوله تعالى:إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [يونس: 22] وقيل: إنه جمع فلك ـ بفتح الفاء وسكون اللام ـ وقيل: إنه اسم جمع، وزعم بعضهم أنه قرىء { فَلَك } بضمتين وهو عند بعض مفرد لا غير. وقال الكواشي: الفلك والفلك ـ بضمتين ـ لغتان الواحد والجمع سواء في اللفظ، ويعرف ذلك بجمع ضمير فعلهما وإفراده. { بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } (ما) إما مصدرية أي ـ بنفعهم ـ أو موصولة أي ـ بالذي ينفعهم ـ وعلى الأول: ضمير الفاعل إما ـ للفلك ـ لأنه مذكر اللفظ مؤنث المعنى ـ كما قيل ـ أو ـ للجري ـ أو ـ للبحر ـ واحتمال كونها موصوفة لا يلائمه مقام الاستدلال.

السابقالتالي
2 3 4