الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ } أخرج جماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: سأل معاذ بن جبل، وسعد بن معاذ وخارجة بن زيد نفراً من أحبار يهود عن بعض ما في التوراة فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية، وعن قتادة أنها نزلت في الكاتمين من اليهود والنصارى، وقيل نزلت في كل من كتم شيئاً من أحكام الدين لعموم الحكم للكل فقد روى البخاري وابن ماجه وغيرهما عن أبـي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: لولا آية في كتاب الله تعالى ماحدثت أحداً بشيء أبداً ثم تلا هذه الآية، وأخرج أبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سئل عن علم فكتمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار " والأقرب أنها نزلت في اليهود والحكم عام كما تدل عليه الأخبار وكونها نزلت في اليهود لا يقتضي الخصوص فإن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، فالموصول/ للاستغراق ويدخل فيه من ذكر دخولاً أولياً، والكتم والكتمان ترك إظهار الشيء قصداً مع مساس الحاجة إليه وتحقق الداعي إلى إظهاره وذلك قد يكون بمجرد ستره وإخفائه وقد يكون بإزالته ووضع شيء آخر موضعه واليهود قاتلهم الله تعالى ارتكبوا كلا الأمرين { مَا أَنَزَلْنَا } على الأنبياء { مِنَ ٱلْبَيّنَـٰتِ } أي الآيات الواضحة الدالة على الحق ومن ذلك ما أنزلناه على موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام في أمر محمد صلى الله عليه وسلم.

{ وَٱلْهَدْىَ } عطف على { ٱلْبَيِّنَـٰتُ } والمراد به ـ ما يهدى ـ إلى الرشد مطلقاً ومنه ـ ما يهدى ـ إلى وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم والإيمان به وهي الآيات الشاهدة على صدقه عليه الصلاة والسلام، والعطف باعتبار التغاير في المفهوم كجاءني الآكل فالشارب، وقيل: إنه عطف على { مَا أَنَزَلْنَا } الخ، والمراد بالأول الأدلة النقلية، وبالثاني ما يدخل فيه الأدلة العقلية، أو المراد بالأول: التنزيل، وبالثاني: ما يقتضيه من الفوائد، ولا يخفى أنه تكلف يأبى عنه قرب المعطوف عليه والتبيين الدال على كمال الوضوح في قوله سبحانه: { مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ } أي شرحناه وأظهرناه لهم والظرف متعلق ـ بيكتمون ـ واللام في ـ الناس ـ صلة ـ بينا ـ أو لام الأجل، والمراد بهم الجنس أو الاستغراق، وفي تقييد الكتمان بالظرف إشارة إلى شناعة حالهم بأنهم يكتمون ما وضح ـ للناس ـ وإلى عظم الإثم بأنهم يكتمون ما فيه النفع العام.

{ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } متعلق ـ ببيناه ـ وتعلق جارين بفعل واحد عند اختلاف المعنى مما لا ريب في جوازه، أو متعلق بمحذوف وقع حالاً من مفعوله، والمراد به الجنس، وقيل: التوراة، وقيل: هي والإنجيل، وقيل: القرآن، والمراد من الناس أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الناس من حمل ـ البينات ـ على ما في القرآن وعلق { مِن بَعْدِ } بـ { أَنزَلْنَا } ، وفسر (الكتاب) بالتوراة ـ والكتمان ـ بعدم الاعتراف بالحقية، ولعل ما ذهبنا إليه أولى من جميع ذلك.

السابقالتالي
2