الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ وَلِكُلّ وِجْهَةٌ } أي لكل أهل ملة أو جماعة من المسلمين واليهود والنصارى، أو لكل قوم من المسلمين جهة وجانب من الكعبة يصلي إليها جنوبية أو شمالية أو شرقية أو غربية، وتنوين ـ كل ـ عوض عن المضاف إليه و ـ وجهة ـ جاء على الأصل والقياس جهة مثل عدة وزنة وهي مصدر بمعنى المتوجه إليه كالخلق بمعنى المخلوق وهو محذوف الزوائد لأن الفعل توجه أو اتجه، والمصدر التوجه أو الاتجاه، ولم يستعمل منه وجه كوعد، وقيل: إنها اسم للمكان المتوجه إليه فثبوت الواو ليس بشاذ. وقرأ أبـيّ ـ ولكلّ قبلة ـ { هُوَ مُوَلّيهَا } الضمير المرفوع عائد إلى ـ كل ـ باعتبار لفظه، والمفعول الثاني للوصف محذوف أي وجهه أو نفسه أي مستقبلها، ويحتمل أن يكون الضمير لله تعالى أي ـ الله موليها ـ إياه، وأخرج ابن أبـي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قرأ { وَلِكُلّ وِجْهَةٌ } بالإضافة، وقد صعب تخريجها حتى تجرأ بعضهم على ردها وهو خطأ عظيم، وخرجها البعض أن ـ كل ـ كان في الأصل منصوباً على أنه مفعول به لعامل محذوف يفسره { مُوَلّيهَا } وضمير { هُوَ } عائد إلى الله تعالى قطعاً ثم زيدت اللام في المفعول به صريحاً لضعف العامل المقدر من جهتين، كونه اسم فاعل وتقديم المعمول عليه والمفعول الآخر محذوف ـ أي لكل وجهة الله مولى موليها ـ وردّ بأن لام التقوية لا تزاد في أحد مفعولي المتعدي لاثنين، لأنه إما أن تزاد في الآخر ولا نظير له، أو لا فيلزم الترجيح بلا مرجح، وإن أجيب بإطلاق النحاة يقتضي جوازه، والترجيح بلا مرجح مدفوع هنا بأنه ترجح بتقديمه. وقيل: إن المجرور معمول للوصف المذكور على أنه مفعول به له واللام مزيدة، أو أن الكلام من باب الاشتغال بالضمير، ولا يخفى أن هذين التخريجين يحوج أولهما: إلى إرجاع الضمير المجرور بالوصف إلى التولية، وجعله مفعولاً مطلقاً كقوله:
هذا سراقة للقرآن يدرسه   
لئلا يقال: كيف يعمل الوصف مع اشتغاله بالضمير، وثانيهما: إلى القول: بأنه قد يجىء المجرور من باب الاشتغال على قراءة من قرأوَٱلظَّـٰلِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ } [الانسان: 31] والقول: بأن اللام أصلية، والجار متعلق ـ بصلوا ـ محذوفاً أو باستبقوا والفاء زائدة بعيد بل لا أكاد أجيزه، وقرأ ابن عامر، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ مولاها ـ على صيغة اسم المفعول ـ أي هو قد ولى تلك الجهة ـ فالضمير المرفوع حينئذٍ عائد/ إلى كل البتة، ولا يجوز رجوعه إلى الله تعالى لفساد المعنى، وأخرج ابن جرير وابن أبـي داود في «المصاحف» عن منصور قال: نحن نقرأ ـ ولكل جعلنا قبلة يرضونها ـ.

السابقالتالي
2 3