الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

{ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَالاسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } { أَمْ } إما متصلة معادلة للهمزة فيأَتُحَاجُّونَنَا } [البقرة: 139] داخلة في حيز الأمر والمراد بالاستفهام إنكارهما معاً بمعنى كل من الأمرين منكر ينبغي أن لا يكون إقامة الحجة وتنوير البرهان على حقية ما أنتم عليه، والحال ما ذكر والتشبث بذيل التقليد والافتراء/ على الأنبياء عليهم السلام، وفائدة هذا الأسلوب مع أن العلم حاصل بثبوت الأمرين الإشارة إلى أن أحدهما كاف في الذم فكيف إذا اجتمعا كما تقول لمن أخطأ تدبيراً ومقالاً: أتدبيرك أم تقريرك، وبهذا يندفع ما قاله أبو حيان من أن الاتصال يستدعي وقوع إحدى الجملتين والسؤال عن تعيين إحداهما وليس الأمر كذلك إذ وقعتا معاً، وإما منقطعة مقدرة ببل والهمزة دالة على الإضراب والانتقال من التوبيخ على المحاجة إلى التوبيخ على الافتراء على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

وقرأ غير ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص { أَمْ يَقُولُونَ } ـ بالياء ـ ويتعين كون { أَمْ } حينئذ منقطعة لما فيها من الاضراب من الخطاب إلى الغيبة ولا يحسن في المتصلة أن يختلف الخطاب من مخاطب إلى غيره كما يحسن في المنقطعة ويكون الكلام استئنافاً غير داخل تحت الأمر بل وارد منه تعالى توبيخاً لهم وإنكاراً عليهم، وحكى أبو جعفر الطبري عن بعض النحاة جواز الاتصال لأنك إذا قلت ـ أتقوم يا زيد أم يقوم عمرو ـ صح الاتصال، واعترض عليه ابن عطية بأن المثال غير جيد لأن القائل فيه واحد والمخاطب واحد والقول في الآية من اثنين والمخاطب اثنان غير أن [وإنما] يتجه معادلة { أَمْ } للهمزة على الحكم المعنوي كان معنىقُلْ أَتُحَاجُّونَنَا } [البقرة: 139] أي يحاجون يا محمد أم يقولون، ولا يخفى أن القول بالانقطاع إن لم يكن متعيناً فلا أقل من أنه أولى.

{ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ } أي لستم أعلم بحال إبراهيم عليه السلام في باب الدين بل الله تعالى أعلم بذلك وقد أخبر سبحانه بنفي اليهودية والنصرانية عنه، واحتج على انتفائهما عنه بقوله:وَمَا أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإْنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ } [آل عمران: 65] وهؤلاء المعطوفون عليه أتباعه في الدين وفاقاً فحالهم حاله فلم تدعون له ولهم. ما نفى الله تعالى؟ فما ذلك إلا جهل غال ولجاج محض.

{ وَمَنْ أَظْلَمُ } إنكار لأن يكون أحد أظلم { مِمَّنْ كَتَمَ شَهَـٰدَةً } ثابتة. { عِندَهُ } واصلة { مِنَ ٱللَّهِ } إليه وهي شهادته تعالى لإبراهيم عليه السلام بالحنيفية والبراءة عن اليهودية والنصرانية حسبما تلى آنفاً، وجيء بالوصفين لتعليل الإنكار وتأكيده فإن ثبوت ـ الشهادة عنده ـ وكونها من جانب جناب العلي الأعلى عز شأنه من أقوى الدواعي إلى إقامتها وأشد الزواجر عن كتمانها، وتقديم الأول مع أنه متأخر في الوجود لمراعاة طريق الترقي والمعنى لا أحد أظلم من أهل الكتاب ـ حيث كتموا هذه الشهادة وأثبتوا نقيضها بما ذكر من الافتراء ـ والجملة تذييل يقرر ما أنكر عليهم من ادعاء اليهودية والنصرانية وتعليق الأظلمية بمطلق الكتمان للإيماء إلى أن مرتبة من يردها ويشهد بخلافها في الظلم خارجة عن دائرة البيان، أو لا أحد ـ أظلم منا لو كتمنا هذه ـ الشهادة ـ ولم نقمها في مقام المحاجة، والجملة حينئذ تذييل مقرر ما أوقع في قوله تعالى: { أأنتم أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ } من أنهم شاهدون بما شهد الله تعالى به مصدوقونه بما أعلمهم، وجعلها على هذا من تتمة

السابقالتالي
2