الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ } الخطاب لجنس اليهود أو الموجودين في زمانه صلى الله عليه وسلم على ما يشير إليه سبب النزول فقد ذكر الواحدي أن الآية نزلت في اليهودي حين قالوا للنبـي صلى الله عليه وسلم: ألست تعلم أن يعقوب لما مات أوصى بنيه باليهودية؟ و { أَمْ } إما منقطعة بمعنى بل، وهمزة الإنكار، ومعنى بل الإضراب عن الكلام الأول وهو بيان التوصية إلى توبيخ اليهود على ادعائهم اليهودية على يعقوب وأبنائه، وفائدته الانتقال من جملة إلى أخرى أهمّ منها أي ما كنتم حاضرين حين احتضاره عليه الصلاة والسلام وسؤاله بنيه عن الدين فلم تدعون ما تدعون؟! ولك أن تجعل الاستفهام للتقرير أي كانت أوائلكم حاضرين حين وصى بنيه عليه الصلاة والسلام بالإسلام والتوحيد وأنتم عالمون بذلك فما لكم تدعون عليه خلاف ما تعلمون؟! فيكون قد نزل علمهم بشهادة أوائلهم منزلة الشهادة فخوطبوا بما خوطبوا، وإما متصلة وفي الكلام حذف ـ والتقدير أكنتم غائبين أم كنتم شاهدين ـ وليس الاستفهام على هذا على حقيقته للعلم بتحقق الأول وانتفاء الثاني بل هو للإلزام والتبكيت أيْ أيّ الأمرين كان فمدعاكم باطل، أما على الأول: فلأنه رجم بالغيب، وأما على الثاني: فلأنه خلاف المشهور.

واعترض أبو حيان على هذا الوجه بأنا لا نعلم أحداً أجاز حذف الجملة المعطوف عليها في (أم) المتصلة وإنما سمع حذف (أم) مع المعطوف لأن الثواني تحتمل ما لا تحتمل الأوائل، وقيل: الخطاب للمؤمنين ومعنى بل الإضراب عن الكلام الأول والأخذ فيما هو الأهم وهو التحريض على اتباعه صلى الله عليه وسلم بإثبات بعض معجزاته وهو الإخبار عن أحوال الأنبياء السابقين من غير سماع من أحد ولا قراءة من كتاب كأنه تعالى بعد ذكر ما تقدم التفت إلى مؤمني الأمة أما شهدتم ما جرى وأما علمتم ذلك بالوحي وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم فعليكم باتباعه إلا أنه اكتفى بذكر مقاولة يعقوب وبنيه ليعلم عدم حضورهم حين توصية إبراهيم عليه الصلاة والسلام بطريق الأولى، ولا يخفى أن هذا القائل لم يعتبر سبب النزول ولعله لما فيه من الضعف حتى قال الإمام السيوطي: لم أقف عليه، و ـ الشهداء ـ جمع شهيد أو شاهد بمعنى حاضر، وحضر من باب قعد، وقرىء { حَضَرَ } بالكسر ومضارعه أيضاً ـ يحضر ـ بالضم وهي لغة شاذة، وقيل: إنها على التداخل.

{ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ } بدل من { إِذْ حَضَرَ } بدل اشتمال وكلاهما مقصودان كما هو المقرر في إبدال الجمل إلا أن في البدل زيادة بيان ليست في المبدل منه ولو تعلقت إذ هنا بـ { قَالُواْ } لم ينتظم الكلام.

السابقالتالي
2