الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }

/ { وَوَصَّىٰ إِبْرٰهِيمُ بَنِيهِ } مدح له عليه السلام بتكميله غيره إثر مدحه بكماله في نفسه، وفيه توكيد لوجود الرغبة في ملته، والتوصية التقدم إلى الغير بفعل فيه صلاح وقربة سواء كان حالة الاحتضار أو لا وسواء كان ذلك التقدم بالقول أو الدلالة وإن كان الشائع في العرف استعمالها في القول المخصوص حالة الاحتضار وأصلها الوصل من قولهم أرض واصية أي متصلة النبات، ويقال: وصاه إذا وصله، وفصاه إذا فصله كأن الموصي يصل فعله بفعل الوصي، والضمير في { بِهَا } إما للملة أو لقولهأَسْلَمْتُ } [البقرة: 131] على تأويل الكلمة أو الجملة، ويرجح الأول كون المرجع مذكوراً صريحاً وكذا ترك المضمر إلى المظهر، وعطف (يعقوب) عليه فإن ذلك يدل على أنه شروع في كلام آخر لبيان تواصي الأنبياء باستمساك الدين الحق الجامع لجميع أحكام الأصول والفروع ليتوارثوا الملة القويمة والشرع المستقيم نسلاً بعد نسل، وذكر يعقوبُ الدينَ في توصيته لبنيه ـ وهو والملة ـ أخوان ولو كان الضمير للثاني لكان الإسلام بدله، ويؤيد الثاني كون الموصى به مطابقاً في اللفظ لـأَسْلَمْتُ } [البقرة: 131] وقرب المعطوف عليه لأنه حينئذٍ يكون معطوفاً على { قَالَ أَسْلَمْتُ } أي ما اكتفى بالامتثال بل ضم توصية بنيه بالإسلام بخلاف التقدير الأول فإنه معطوف على ـمِنْ يَرْغَبُ } ـ [البقرة: 130] لأنه كما أشرنا إليه في معنى النفي، وخص البنين لأنه عليهم أشفق وهم بقبول وصيته أجدر ولأن النفع بهم أكثر، وقرأ نافع وابن عامر (أوصى) ولا دلالة فيها على التكثير كالأولى الدالة عليه لصيغة التفعيل.

{ وَيَعْقُوبَ } عطف على (إبراهيم)، ورفعه على الابتداء وحذف الخبر أي ـ يعقوب ـ كذلك، والجملة معطوفة على الجملة الفعلية، وجعله فاعلاً ـ لوصى ـ مضمراً بعيد، وقرىء بالنصب فيكون عطفاً على { بَنِيهِ } والمراد بهم أبناء الصلب وهو عليه الصلاة والسلام كان نافلة، وإنما سمي يعقوب لأنه وعيصا ـ كانا توأمين ـ فتقدم عيص، وخرج يعقوب على أثره آخذاً بعقبه كذا روي عن ابن عباس ولا أظن صحته.

{ يٰبَنِى } على إضمار القول عند البصريين، ويقدر بصيغة الإفراد على تقدير نصب يعقوب أي قال، أو قائلاً. وبصيغة التثنية على تقدير الرفع؛ ووقوع الجملة بعد القول مشروط بأن يكون المقصود مجرد الحكاية، والكلام المحكي مشترك بين إبراهيم ويعقوب، وإن كان المخاطبون في الحالين متغايرين، وذهب الكوفيون إلى عدم الإضمار لأن التوصية لاشتمالها على معنى القول بل هي القول المخصوص كان حكمها حكمه. فيجوز وقوع الجملة في حيز مفعولها، وقرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: (أن يا بني) ولا حاجة حينئذٍ إلى تقدير القول عند البصريين بل لا يجوز ذلك عندهم على ما يشير إليه كلام بعض المحققين، وبنو إبراهيم على ما في «الإتقان» اثنا عشر وهم: إسمٰعيل وإسحٰق ومدين وزمزان وسرح ونقش ونقشان وأميم وكيسان وسورج ولوطان ونافس وبنو يعقوب أيضاً كذلك وهم: يوسف وروبيل وشمعون ولاوى ويهوذا وداني وتفتاني وكاد واسبر وإيساجر ورايكون وبنيامين.

السابقالتالي
2