الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرٰهِيمُ } عطف علىوَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ } [البقرة: 126] وإذ للمضي وآثر صيغة المضارع مع أن القصة ماضية استحضاراً لهذا الأمر ليقتدي الناس به في إتيان الطاعات الشاقة مع الابتهال في قبولها وليعلموا عظمة البيت المبني فيعظموه { ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ } القواعد جمع قاعدة وهي الأساس كما قاله أبو عبيدة صفة صارت بالغلبة من قبيل الأسماء الجامدة بحيث لا يذكر لها موصوف ولا يقدر من القعود بمعنى الثبات، ولعله مجاز من المقابل للقيام، ومنه قعدك الله تعالى في الدعاء بمعنى أدامك الله تعالى وثبتك، ورفع القواعد على هذا المعنى مجاز عن البناء عليها إذ الظاهر من رفع الشيء جعله عالياً مرتفعاً، والأساس لا يرتفع بل يبقى بحاله لكن لما كانت هيأته قبل البناء عليه الانخفاض ولما بني عليه انتقل إلى هيأة الارتفاع بمعنى أنه حصل له مع ما بني عليه تلك الهيأة صار البناء عليه سبباً للحصول كالرفع فاستعمل الرفع في البناء عليه واشتق من ذلك { يَرْفَعُ } بمعنى يبني عليها، وقيل: القواعد ساقات البناء وكل ساق قاعدة لما فوقه، فالمراد برفعها على هذا بناؤها نفسها، ووجه الجمع عليه ظاهر وعلى الأول لأنها مربعة ولكل حائط أساس، وضعف هذا القول بأن فيه صرف لفظ القواعد عن معناه المتبادر وليس هو كصرف الرفع في الأول، وقيل: الرفع بمعنى الرفعة والشرف، والقواعد بمعناه الحقيقي السابق فهو استعارة تمثيلية ـ وفيه بعد ـ إذ لا يظهر حينئذٍ فائدة لذكر القواعد. و { مِنَ } ابتدائية متعلقة بـ { يَرْفَعُ } أو حال من { ٱلْقَوَاعِدِ } ولم يقل قواعد البيت لما في الإبهام والتبيين من الاعتناء الدال على التفخيم ما لا يخفى.

{ وَإِسْمَـٰعِيلَ } عطف على { إِبْرَاهِيمَ } ، وفي تأخيره عن المفعول المتأخر عنه رتبة إشارة إلى أن مدخليته في رفع البناء، والعمل دون مدخلية إبراهيم عليه السلام، وقد ورد أنه كان يناوله الحجارة، وقيل: كانا يبنيان في طرفين أو على التناوب، وأبعد بعضهم فزعم أن إسمٰعيل مبتدأ وخبره محذوف أي يقول: ربنا، وهذا ميل/ إلى القول بأن إبراهيم عليه السلام هو المتفرد بالبناء ولا مدخلية لإسمٰعيل فيه أصلاً بناءً على ما روي عن عليّ كرم الله تعالى وجهه أنه كان إذ ذاك طفلاً صغيراً، والصحيح أن الأثر غير صحيح.

هذا وقد ذكر أهل الأخبار في ماهية هذا البيت وقدمه وحدوثه، ومن أي شيء كان باباه، وكم مرة حجه آدم، ومن أي شيء بناه إبراهيم، ومن ساعده على بنائه، ومن أين أتى بالحجر الأسود؟؟؟ أشياء لم يتضمنها القرآن العظيم، ولا الحديث الصحيح، وبعضها يناقض بعضاً، وذلك على عادتهم في نقل ما دب ودرج، ومن مشهور ذلك أن الكعبة أنزلت من السماء في زمان آدم، ولها بابان إلى المشرق والمغرب فحج آدم من أرض الهند واستقبلته الملائكة أربعين فرسخاً فطاف بالبيت ودخله ثم رفعت في زمن طوفان نوح عليه السلام إلى السماء ثم أنزلت مرة أخرى في زمن إبراهيم فزارها ورفع قواعدها وجعل بابيها باباً واحداً ثم تمخض أبو قبيس فانشق عن الحجر الأسود، وكان ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة نزل بها جبريل فخبئت في زمان الطوفان إلى زمن إبراهيم فوضعه إبراهيم مكانه ثم اسود بملامسة النساء الحيض.

السابقالتالي
2 3