الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا ءامَنَّا } الإشارة إلى الوادي المذكور بقوله تعالى:رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ } [إبراهيم: 37] أي اجعل هذا المكان القفر بلداً الخ فالمدعو به البلدية مع الأمن، وهذا بخلاف ما في سورة إبراهيم [35]رَبّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ امِنًا } ولعل السؤال متكرر، وما في تلك السورة كان بعد، والأمن المسؤول فيها إما هو الأول وأعاد سؤاله دون البلدية رغبة في استمراره لأنه المقصد الأصلي، أو لأن المعتاد في البلدية الاستمرار بعد التحقق بخلافه. وإما غيره بأن يكون المسؤول أولاً: مجرد الأمن المصحح للسكنى، وثانياً: الأمن المعهود، ولك أن تجعل { هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ } في تلك السورة إشارة إلى أمر مقدر في الذهن كما يدل عليهرَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ } [إبراهيم: 37] الخ فتطابق الدعوتان حينئذٍ؛ وإن جعلت الإشارة هنا إلى البلد تكون الدعوة بعد صيرورته بلداً والمطلوب كونه آمناً على طبق ما في السورة من غير تكلف إلا أنه يفيد المبالغة أي بلداً كاملاً في الأمن كأنه قيل: اجعله بلداً معلوم الاتصاف بالأمن مشهوراً به كقولك كان هذا اليوم يوماً حاراً، والوصف بآمن إما على معنى النسب أي ذا أمن على حد ما قيل:فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [القارعة: 7] وإما على الاتساع والإسناد المجازي، والأصل آمناً أهله فأسند { مَا } للحال للمحل لأن الأمن والخوف من صفات ذوي الإدراك، وهل الدعاء بأن يجعله آمناً من الجبابرة والمتغلبين، أو من أن يعود حرمه حلالاً، أو من أن يخلو من أهله أو من الخسف والقذف، أو من القحط والجذب، أو من دخول الدجال، أو من دخول أصحاب الفيل؟؟ أقوال، والواقع يرد بعضها فإن الجبابرة دخلته وقتلوا فيه ـ كعمرو بن لحي الجرهمي، والحجاج الثقفي والقرامطة وغيرهم ـ وكون البعض لم يدخله للتخريب بل كان/ غرضه شيئاً آخر لا يجدي نفعاً كالقول بأنه ما آذى أهله جبار إلا قصمه الله تعالى ففي المثل:
إذا مت عطشاناً فلا نزل القطر   
وكان النداء بلفظ الرب مضافاً لما في ذلك من التلطف بالسؤال والنداء بالوصف الدال على قبول السائل، وإجابة ضراعته، وقد أشرنا من قبل إلى ما ينفعك هنا فتذكر.

{ وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ } أي من أنواعها بأن تجعل قريباً منه قرى يحصل فيها ذلك أو تجىء إليه من الأقطار الشاسعة ـ قد حصل كلاهما ـ حتى إنه يجتمع فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد روي أن الله سبحانه لما دعا إبراهيم أمر جبريل فاقتلع بقعة من فلسطين، وقيل: من الأردن وطاف بها حول البيت سبعاً فوضعها حيث وضعها رزقاً للحرم وهي الأرض المعروفة اليوم بالطائف وسميت به لذلك الطواف، وهذا على تقدير صحته غير بعيد عن قدرة الملك القادر جل جلاله؛ وإن أبيت إبقاءه على ظاهره فباب التأويل واسع، وجمع القلة إظهاراً للقناعة، وقد أشرنا إلى أنه كثيراً ما يقوم مقام جمع الكثرة، و { مِنَ } للتبعيض، وقيل: لبيان الجنس.

السابقالتالي
2 3