الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }

{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ } في متعلق { إِذْ } احتمالات تقدمت الإشارة إليها في نظير الآية، واختار أبو حيان تعلقها بـ { قَالَ } الآتي، وبعضهم بمضمر مؤخر، أي كان كيت وكيت والمشهور: تعلقها بمضمر مقدم تقديره ـ اذكر ـ أو ـ اذكروا ـ وقت كذا، والجملة حينئذ معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة، والجامع الاتحاد في المقصد؛ فإن المقصد من ـ تذكيرهم وتخويفهم ـ تحريضهم على قبول دينه صلى الله عليه وسلم، واتباع الحق، وترك التعصب، وحب الرياسة، كذلك المقصد من قصة إبراهيم عليه السلام وشرح أحواله، الدعوة على ملة الإسلام؛ وترك التعصب في الدين، وذلك لأنه إذا علم أنه نال ـ الإمامة ـ بالانقياد لحكمه تعالى وأنه لم يستجب دعاءه في الظالمين وأن الكعبة كانت مطافاً ومعبداً في وقته مأموراً هو بتطهيره، وأنه كان يحج البيت داعياً مبتهلاً ـ كما هو في دين النبـي صلى الله عليه وسلم ـ وأن نبينا عليه الصلاة والسلام من دعوته، وأنه دعا في حق نفسه وذريته بملة الإسلام، كان الواجب على من يعترف بفضله وأنه من أولاده، ويزعم اتباع ملته؛ ويباهي بأنه من ساكن حرمه وحامي بيته، أن يكون حاله مثل ذلك، وذهب عصام الملة والدين إلى جواز العطف علىنِعْمَتِيَ } [البقرة: 122] أي: اذكروا وقت ـ ابتلاء إبراهيم ـ فإن فيه ما ينفعكم ويرد اعتقادكم الفاسد أن آباءكم شفعاؤكم يوم القيامة، لأنه لم يقبل دعاء إبراهيم في ـ الظلمة ـ ويدفع عنكم حب الرياسة المانع عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يعلم منه أنه لا ينال الرياسة الظالمين واعترض بأنه خروج عن طريق البلاغة مع لزوم تخصيص الخطاب بأهل الكتاب وتخللٱتَّقَوْاْ } [البقرة: 123] بين المعطوفين ـ.

والابتلاء ـ في الأصل الاختبار ـ كما قدمنا ـ/ والمراد به هنا التكليف، أو المعاملة معاملة الاختبار مجازاً، إذ حقيقة الاختبار محالة عليه تعالى ـ لكونه عالم السر والخفيات ـ و (إبراهيم) علم أعجمي، قيل: معناه قبل النقل ـ أب رحيم ـ وهو مفعول مقدم لإضافة فاعله إلى ضميره، والتعرض لعنوان الربوبية تشريف له عليه السلام، وإيذان بأن ذلك ـ الابتلاء ـ تربية له وترشيح لأمر خطير، و ـ الكلمات ـ جمع ـ كلمة ـ وأصل معناها ـ اللفظ المفرد ـ وتستعمل في الجمل المفيدة، وتطلق على معاني ذلك ـ لما بين اللفظ والمعنى من شدة الاتصال ـ واختلف فيها، فقال طاوس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إنها العشرة التي من الفطرة، المضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، وإعفاء اللحية، والفرق، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وحلق العانة والاستطابة، والختان، وقال عكرمة رواية عنه أيضاً: لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه كله إلا إبراهيم، ابتلاه الله تعالى بثلاثين خصلة من خصال الإسلام، عشر منها في سورة براءة [112]

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8