الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ }

{ ٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } اعتراض لبيان حال مؤمني أهل الكتاب بعد ذكر أحوال كفرتهم ولم يعطف تنبيهاً على كمال التباين بين الفريقين والآية نازلة فيهم وهم المقصودون منها سواء أريد بالموصول الجنس أو العهد على ما قيل إنهم الأربعون الذين قدموا من الحبشة مع جعفر بن أبـي طالب اثنان وثلاثون منهم من اليمن وثمانية من علماء الشام.

{ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } أي يقرءونه حق قراءته وهي قراءة تأخذ بمجامع القلب فيراعى فيها ضبط اللفظ والتأمل في المعنى وحق الأمر والنهي، والجملة حال مقدرة أي آتيناهم الكتاب مقدراً تلاوتهم لأنهم لم يكونوا تالين وقت الإيتاء وهذه الحال مخصصة لأنه ليس كل من أوتيه يتلوه، و { حَقّ } منصوب على المصدرية لإضافته إلى المصدر، وجوز أن يكون وصفاً لمصدر محذوف وأن يكون حالاً أي محقين والخبر قوله تعالى: { أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } ويحتمل أن يكون { يتلونه } خبراً لا حالاً، { أُوْلَـٰئِكَ } الخ خبراً بعد خبر أو جملة مستأنفة، وعلى أول الاحتمالين يكون الموصول للجنس، وعلى ثانيهما يكون للعهد أي مؤمنو أهل الكتاب، وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي للحصر والتعريض، والضمير للكتاب أي ـ أولئك يؤمنون بكتابهم ـ دون المحرفين فإنهم غير مؤمنين به، ومن هنا يظهر فائدة الإخبار على الوجه الأخير، ولك أن تقول محط الفائدة ما يلزم الإيمان به/ من الربح بقرينة ما يأتي، ومن الناس من حمل الموصول على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليه ذهب عكرمة وقتادة، فالمراد من (الكتاب) حينئذ القرآن، ومنهم من حمله على الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وإليه ذهب ابن كيسان، فالمراد من الكتاب حينئذ الجنس ليشمل الكتب المتفرقة، ومنهم من قال بما قلنا إلا أنه جوز عود ضمير { بِهِ } إلىٱلْهُدَىٰ } [البقرة: 120] أو إلى النبـي صلى الله عليه وسلم أو إلى الله تعالى، وعلى التقديرين يكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة أو من التكلم إليها ولا يخفى ما في بعض هذه الوجوه من البعد البعيد.

{ وَمن يَكْفُرْ بِهِ } أي الكتاب بسبب التحريف والكفر بما يصدقه، واحتمالات نظير هذا الضمير مقولة فيه أيضاً. { فَأُوْلَٰـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } من جهة أنهم اشتروا الكفر بالإيمان، وقيل: بتجارتهم التي كانوا يعملونها بأخذ الرشا على التحريف.