الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }

{ بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي مبدعهما فهو فعيل من أفعل وكان الأصمعي ينكر فعيلاً بمعنى مفعل، وقال ابن بري: قد جاء كثيراً نحو مسخن وسخين ومقعد وقعيد وموصى ووصي ومحكم وحكيم ومبرم وبريم ومونق وأنيق في أخوات له، ومن ذلك السميع في بيت عمرو بن معدي كرب السابق. والاستشهاد بناءاً على الظاهر المتبادر على ما هو الأليق بمباحث العربية فلا يرد ما قيل في البيت لأنه على خلافه كما لا يخفى على المنصف، وقيل: هو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها للتخفيف أي بديع سمواته. وأنت تعلم أنه قد تقرر أن الصفة إذا أضيفت إلى الفاعل يكون فيها ضمير يعود إلى الموصوف فلا تصح الإضافة إلا إذا صح اتصاف الموصوف بها نحو ـ حسن الوجه ـ حيث يصح اتصاف الرجل بالحسن لحسن وجهه بخلاف حسن الجارية وإنما صح زيد كثير الاخوان لاتصافه بأنه متقوّ بهم، وفيما نحن فيه ـ وإن امتنع اتصافه بالصفة المذكورة ـ لكن يصح اتصافه بما دلت عليه وهو كونه مبدعاً لهما. وهذا يقتضي أن يكون الأولى بقاء المبدع على ظاهره وهو الذي عليه أساطين أهل اللغة، والإبداع اختراع الشيء لا عن مادة ولا في زمان، ويستعمل ذلك في إيجاده تعالى للمبادي ـ كما قاله الراغب وهو غير الصنع إذ هو تركيب الصورة بالعنصر؛ ويستعمل في إيجاد الأجسام وغير التكوين فإنه ما يكون بتغير وفي زمان غالباً وإذا أريد من السمٰوات والأرض جميع ما سواه تعالى من المبدعات والمصنوعات والمكونات لاحتوائها على عالم الملك والملكوت فبعد اعتبار التغليب يصح إطلاق كل من الثلاثة إلا أن لفظ الإبداع أليق لأنه يدل على كمال قدرته تعالى، والقول بتعين حمل الإبداع على التكوين من مادة أو أجزاء لأن إيجاد السمٰوات من شيء كما يشير إليه قوله تعالى:ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَاء وَهِىَ دُخَانٌ } [فصلت: 11] ناشىء من الغفلة عما ذكرنا، والآية حجة أخرى لإبطال تلك المقالة الشنعاء، وتقريرها أنه تعالى مبدع لكل ما سواه فاعل على الإطلاق، ولا شيء من الوالد كذلك ضرورة انفعاله بانفصال مادة الولد عنه فالله تعالى ليس بوالد، وقرأ المنصور { بَدِيعَ } بالنصب على المدح، وقرىء بالجر على أنه بدل من الضمير في { لَهُ } على رأي من يجوز ذلك. { وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا } أي أراد شيئاً بقرينة قوله تعالى:إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً } [يس: 82] وجاء القضاء على وجوه ترجع كلها إلى إتمام الشيء قولاً أو فعلاً وإطلاقه على الإرادة مجاز من استعمال اللفظ المسبب في السبب فإن الإيجاد الذي هو إتمام الشيء مسبب عن تعلق الإرادة لأنه يوجبه، وساوى ابن السيد بينه وبين القدر، والمشهور التفرقة بينهما بجعل القدر تقديراً لأمور قبل أن تقع، والقضاء إنفاذ ذلك القدر وخروجه من العدم إلى حد الفعل، وصحح ذلك الجمهور لأنه قد جاء في الحديث

السابقالتالي
2 3