الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }

{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا } نزلت في اليهود حيث ـ قالوا عزيز ابن الله ـ وفي نصارى نجران حين قالوا المسيح ابن الله وفي مشركي العرب حيث قالوا ـ الملائكة بنات الله ـ فالضمير لما سبق ذكره من النصارى واليهود والمشركين الذين لا يعلمون، وعطفه علىقَالَتْ ٱلْيَهُودُ } [البقرة: 113] وقال أبو البقاء علىوَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ } [البقرة: 111]. وجوز أن يكون عطفاً علىمَنَعَ } [البقرة: 114] أو على مفهوم ـ من أظلم ـ دون لفظه للاختلاف إنشائية وخبرية، والتقدير ظلموا ظلماً شديداً بالمنع، وقالوا: وإن جعل من عطف القصة على القصة لم يحتج إلى تأويل، والاستئناف حينئذٍ بياني كأنه قيل بعدما عدد من قبائحهم هل انقطع خيط إسهابهم في الافتراء على الله تعالى أم امتد؟ فقيل: بل امتد فإنهم قالوا ما هو أشنع وأفظع، و ـ الاتخاذ ـ إما بمعنى الصنع والعمل فلا يتعدى إلا إلى واحد، وإما بمعنى التصيير، والمفعول الأول محذوف أي صير بعض مخلوقاته ولداً، وقرأ ابن عباس وابن عامر وغيرهما (قالوا) بغير واو على الاستئناف أو ملحوظاً فيه معنى العطف، واكتفى بالضمير، والربط به عن الواو كما في «البحر» { سُبْحَـٰنَهُ } تنزيه وتبرئة له تعالى عما قالوا: بأبلغ صيغة ومتعلق ـ سبحان ـ محذوف كما ترى لدلالة الكلام عليه.

{ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } إبطال لما زعموه وإضراب عما تقتضيه مقالتهم الباطلة من التشبيه بالمحدثات في التناسل والتوالد، والحاجة إلى الولد في القيام بما يحتاج الوالد إليه، وسرعة الفناء لأنه لازم للتركيب اللازم للحاجة، وكل محقق قريب سريع، ولإن الحكمة في التوالد هو أن يبقى النوع محفوظاً بتوارد الأمثال فيما لا سبيل إلى بقاء الشخص بعينه مدة بقاء الدهر، وكل ذلك يمتنع على الله تعالى فإنه الأبدي الدائم والغنى المطلق المنزع عن مشابهة المخلوقات، واللام في { لَهُ } قيل للملك، وقيل: إنها كالتي في قولك لزيد ـ ضرب ـ تفيد نسبة الأثر إلى المؤثر، وقيل: للاختصاص بأي وجه كان، وهو الأظهر، والمعنى ليس الأمر كما افتروا بل هو خالق جميع الموجودات التي من جملتها ما زعموه ولداً، والخالق لكل موجود لا حاجة له إلى الولد إذ هو يوجد ما يشاء منزهاً عن الاحتياج إلى التوالد.

{ كُلٌّ لَّهُ قَـٰنِتُونَ } أي كل ما فيهما كائناً ما كان جميعاً/ منقادون له لا يستعصي شيء منهم على مشيئته وتكوينه إيجاداً وإعداماً وتغيراً من حال إلى حال، وهذا يستلزم الحدوث والإمكان المنافي للوجوب الذاتي فكل من كان متصفاً بهذه الصفة لا يكون والداً لأن من حق الولد أن يشارك والده في الجنس لكونه بعضاً منه، وإن لم يماثله، وكان الظاهر كلمة من مع { قَـٰنِتُونَ } كيلا يلزم اعتبار التغليب فيه، ويكون موافقاً لسوق الكلام فإن الكلام في العزير والمسيح والملائكة وهم عقلاء إلا أنه جاء بكلمة (ما) المختصة بغير أولي العلم كما قاله بعضهم محتجاً بقصة الزبعرى مخالفاً لما عليه الرضى من أنها في الغالب لما لا يعلم، ولما عليه الأكثرون من عمومها كما في «التلويح»، واعتبر التغليب في { قَـٰنِتُونَ } إشارة إلى أن هؤلاء الذين جعلوهم ولد الله تعالى سبحانه وتعالى في جنب عظمته جمادات مستوية الأقدام معها في عدم الصلاحية لاتخاذ الولد، وقيل: أتى بما في الأول لأنه إشارة إلى مقام الألوهية، والعقلاء فيه بمنزلة الجمادات، وبجمع العقلاء في الثاني لأنه إشارة إلى مقام العبودية، والجمادات فيه بمنزلة العقلاء.

السابقالتالي
2