الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ } نزلت في طيطوس بن إسيانوس الرومي وأصحابه وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتِليهم وسبوا ذراريهم وحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير وبقي خراباً إلى أن بناه المسلمون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في مشركي العرب منعوا المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام، وعلى الأول: تكون الآية معطوفة على قوله تعالى:وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى } [البقرة: 113] عطف قصة على قصة تقريراً لقبائحهم، وعلى الثاني: تكون اعتراضاً بأكثر من جملة بين المعطوف أعنيقَالُواْ ٱتَّخَذُ } [البقرة: 116] والمعطوف عليه أعنيقَالَتْ ٱلْيَهُودُ } [البقرة: 113] لبيان حال المشركين الذين جرى ذكرهم بياناً لكمال شناعة أهل الكتاب فإن المشركين الذين يضاهونهم إذا كانوا أظلم الكفرة، وظاهر الآية العموم في كل مانع وفي كل مسجد وخصوص السبب لا يمنعه.

و { أَظْلَمَ } أفعل تفضيل خبر عن (من) ولا يراد بالاستفهام حقيقته وإنما هو بمعنى النفي فيؤول إلى الخبر أي لا أحد أظلم من ذلك واستشكل بأن هذا التركيب قد تقرر في القرآن كـوَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بِـئَايَـٰتِ رَبّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا } [السجدة: 22]فمن أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } [الأنعام: 144]فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } [الأنعام: 157] إلى غير ذلك فإذا كان المعنى على هذا لزم التناقض، وأجيب بالتخصيص إما بما يفهم من نفس الصلات أو بالنسبة إلى من جاء بعد من ذلك النوع ويؤول معناه إلى السبق في المانعية أو الافترائية مثلاً، واعترض بأن ذلك بعد عن مدلول الكلام ووضعه العربـي وعجمة في اللسان يتبعها استعجام المعنى، فالأولى أن يجاب بأن ذلك لا يدل على نفي التسوية في الأظلمية وقصارى ما يفهم من الآيات أظلمية أولئك المذكورين فيها ممن عداهم كما أنك إذا قلت لا أحد أفقه من زيد وعمرو وخالد لا يدل على أكثر من نفي أن يكون أحد أفقه منهم، وإما أنه يدل على أن أحدهم أفقه من الآخر فلا، ولا يرد أن من منع مساجد الله مثلاً ولا يفتر على الله كذباً أقل ظلماً ممن جمع بينهما فلا يكون مساوياً في الأظلمية لأن هذه الآيات إنما هي في الكفار وهم متساوون فيها إذ الكفر شيء واحد لا يمكن فيه الزيادة بالنسبة لأفراد من اتصف به وإنما تمكن بالنسبة لهم ولعصاة المؤمنين بجامع ما اشتركوا فيه من المخالفة قاله أبو حيان، ولا يخفى ما فيه.

وقد قال غير واحد إن قولك: من أظلم ممن فعل كذا إنكار لأن يكون أحد أظلم منه أو مساوياً له وإن لم يكن سبك التركيب متعرضاً لإنكار المساواة ونفيها إلا أن العرف الفاشي والاستعمال المطرد يشهد له فإنه إذا قيل من أكرم من فلان أو لا أفضل من فلان فالمراد به حتماً أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل فلعل الأولى الرجوع إلى أحد الجوابين مع ملاحظة الحيثية وإن جعلت ذلك الكلام مخرجاً مخرج المبالغة في التهديد والزجر مع قطع النظر عن نفي المساواة أو الزيادة في نفس الأمر كما قيل به محكماً العرف أيضاً زال الإشكال وارتفع القيل والقال فتدبر.

السابقالتالي
2 3