الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَىْء وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَىْء } المراد يهود المدينة ووفد نصارى نجران تماروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسابوا وأنكرت اليهود الإنجيل ونبوة عيسى عليه السلام وأنكر النصارى التوراة ونبوة موسى عليه السلام فأل في الموضعين للعهد وقيل: المراد عامة اليهود وعامة النصارى وهو من الإخبار عن الأمم السالفة، وفيه تقريع لمن بحضرته صلى الله عليه وسلم وتسلية له عليه الصلاة والسلام إذ كذبوا بالرسل والكتب قبله فأل في الموضعين للجنس، والأول: هو المروي في أسباب النزول، وعليه يحتمل أن يكون القائل كل واحد من آحاد الطائفتين وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون/ المراد بذلك رجلين رجل من اليهود يقال له نافع بن حرملة ورجل من نصارى نجران ونسبة ذلك للجميع حيث وقع من بعضهم وهي طريقة معروفة عند العرب في نظمها ونثرها وهذا بيان لتضليل كل فريق صاحبه بخصوصه إثر بيان تضليله كل من عداه على وجه العموم، و { عَلَىٰ شَىْء } خبر ليس، وهو عند بعض من باب حذف الصفة أي شيء بعتد به في الدين لأنه من المعلوم أن كلاً منهما على شيء، والأوْلى عدم اعتبار الحذف، وفي ذلك مبالغة عظيمة لأن الشيء ـ كما يشير إليه كلام سيبويه ـ ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فإذا نفى مطلقاً كان ذلك مبالغة في عدم الاعتداد بما هم عليه وصار كقولهم ـ أقل من لا شيء ـ.

{ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } حال من الفريقين بجعلهما فاعل فعل واحد لئلا يلزم إعمال عاملين في معمول واحد أي قالوا ذلك وهم عالمون بما في كتبهم الناطقة بخلاف ما يقولون، وفي ذلك توبيخ لهم وإرشاد للمؤمنين إلى أن من كان عالماً بالقرآن لا ينبغي أن يقول خلاف ما تضمنه، والمراد من الكتاب الجنس فيصدق على التوراة والإنجيل، وقيل: المراد به التوراة لأن النصارى تمتثلها أيضاً.

{ كَذٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } وهم مشركو العرب في قول الجمهور، وقيل: مشركو قريش، وقيل: هم أمم كانوا قبل اليهود والنصارى، وأما القول بأنهم اليهود وأعيد قولهم مثل قول النصارى ونفى عنهم العلم حيث لم ينتفعوا به فالظاهر أنه قول: { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } والكاف من { كَذٰلِكَ } في موضع نصب على أنه نعت لمصدر محذوف منصوب بـ (قال) مقدم عليه أي قولاً مثل قول اليهود والنصارى { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } ويكون { مِّثْلَ قَوْلِهِمْ } على هذا منصوباً بـ { يَعْلَمُونَ } والقول بمعنى الاعتقاد، أو بقال على أنه مفعول به أو بدل من محل الكاف، وقيل: { كَذٰلِكَ } مفعول به و { مِثْلَ } مفعول مطلق، والمقصود تشبيه المقول بالمقول في المؤدي والمحصول، وتشبيه القول بالقول في الصدور عن مجرد التشهي والهوى والعصبية، وجوزوا أن تكون الكاف في موضع رفع بالابتداء والجملة بعده خبره والعائد محذوف أي قاله، و { مِثْلَ } صفة مصدر محذوف، أو مفعول { يَعْلَمُونَ } ولا يجوز أن يكون مفعول (قال) لأنه قد استوفى مفعوله، واعترض هذا بأن حذف العائد ـ على المبتدأ الذي لو قدر خلو الفعل عن الضمير لنصبه ـ مما خصه الكثير بالضرورة ومثلوا له بقوله:

السابقالتالي
2 3 4