الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رٰعِنَا } الرعي حفظ الغير لمصلحته سواء كان الغير عاقلاً أو لا، وسبب نزول الآية ـ كما أخرج أبو نعيم في «الدلائل» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه ـ أن اليهود كانوا يقولون ذلك سراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سب قبيح بلسانهم، فلما سمعوا أصحابه عليه الصلاة والسلام يقولون: أعلنوا بها، فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وروي أن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه سمعها منهم، فقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه، قالوا: أوَلستم تقولونها؟ فنزلت الآية ونهي المؤمنون سداً للباب، وقطعاً للألسنة وإبعاداً عن المشابهة. وأخرج عبيد وابن جرير والنحاس عن عطاء قال: كانت (راعنا) لغة الأنصار في الجاهلية فنهاهم الله تعالى عنها في الإسلام، ولعل المراد أنهم يكثرونها في كلامهم/ واستعملها اليهود سباً فنهوا عنها، وأما دعوى أنها لغة مختصة بهم فغير ظاهر لأنها محفوظة في لغة جميع العرب منذ كانوا، وقيل: ومعنى هذه الكلمة عند اليهود لعنهم الله تعالى اسمع ـ لا سمعت ـ وقيل: أرادوا نسبته صلى الله عليه وسلم وحاشاه إلى الرعن، فجعلوه مشتقاً من الرعونة وهي الجهل والحمق، وكانوا إذا أرادوا أن يحمقوا إنساناً قالوا: راعنا، أي يا أحمق ـ فالألف حينئذ لمد الصوت ـ وحرف النداء محذوف ـ وقد ذكر الفراء أن أصل يا زيد يا زيدا ـ بالألف ـ ليكون المنادى بين صوتين، ثم اكتفى بيا ونوى الألف، ويحتمل أنهم أرادوا به المصدر، أي ـ رعنت رعونة ـ أو أرادوا صرت راعنا وإسقاط ـ التنوين ـ على اعتبار الوقف.

وقد قرأ الحسن وابن أبـي ليلى وأبو حيوة وابن محيصن ـ بالتنوين ـ وجعله الكثير صفة لمصدر محذوف، أي قولاً: راعنا وصيغة فاعل حينئذ للنسبة ـ كلابن وتامر ـ، ووصف القول به للمبالغة كما يقال: كلمة حمقاء، وقرأ عبد الله وأبيّ { راعونا } على إسناد الفعل لضمير الجمع للتوقير ـ كما أثبته الفارسي ـ وذكر أن في مصحف عبد الله (ارعونا) وذهب بعض العلماء أن سبب النهي أن لفظ المفاعلة يقتضي الاشتراك في الغالب ـ فيكون المعنى عليه ـ ليقع منك رعي لنا ومنا رعي لك، وهو مخل بتعظيمه صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى بُعده عن سبب النزول بمراحل.

{ وَقُولُواْ ٱنظُرْنَا } أي انتظرنا وتأن علينا، أو انظر إلينا، ليكون ذلك أقوى في الإفهام والتعريف، وكان الأصل أن يتعدى الفعل بإلى، لكنه توسع فيه فتعدى بنفسه على حد قوله:

السابقالتالي
2