الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ } عطف علىنَبَذَ } [البقرة: 101] والضمير لفريق من الذين أوتوا الكتاب ـ على ما تقدم عن السدي، وقيل: عطف على مجموع ما قبله عطف القصة على ـ القصة، والضمير للذين تقدموا من اليهود، أو الذين كانوا في زمن سليمان عليه السلام، أو الذين كانوا في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم، أو ما يتناول الكل لأن ذاك غير ظاهر إذ يقتضي الدخول في حيز لـ (ما) واتباعهم هذا ليس مترتباً على مجىء الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه أن ما علمت من قول السدي يفتح باب الظهور، اللهم إلا أن يكون المبني غيره، وقيل: عطف علىَأُشْرِبُواْ } [البقرة: 93] وهو في غاية البعد، بل لا يقدم عليه من جرع جرعة من الإنصاف، والمراد ـ بالاتباع ـ التوغل والإقبال على الشيء بالكلية، وقيل: الاقتداء، و { مَا } موصولة و { تَتْلُواْ } صلتها، ومعناه تتبع أو تقرأ ـ وهو حكاية حال ماضية، والأصل ـ تلت ـ وقول الكوفيين إن المعنى: ما كانت تتلوا محمول على ذلك ـ لا أن كان هناك مقدرة ـ والمتبادر من الشياطين مردة الجن وهو قول الأكثرين، وقيل: المراد بهم شياطين الإنس، وهو قول المتكلمين من المعتزلة. وقرأ الحسن والضحاك (الشياطون) على حد ما رواه الأصمعي عن العرب ـ بستان فلان حوله بساتون ـ وهو من الشذوذ بمكان حتى قيل: إنه لحن.

{ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } متعلق بـ { تَتْلُواْ } وفي الكلام مضاف محذوف أي عهد ملكه وزمانه، أو الملك مجاز عن العهد، وعلى التقديرين { عَلَىٰ } بمعنى ـ في ـ كما أن ـ في ـ بمعنى على في قوله تعالى:لاَصَلّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [طه: 71] وقد صرح في «التسهيل» بمجيئها للظرفية ومثل له بهذه الآية لأن الملك/ وكذا العهد لا يصلح كونه مقروءاً عليه، ومن الأصحاب من أنكر مجىء ـ على ـ بمعنى ـ في ـ وجعل هذا من تضمين تتلو معنى تتقول، أو الملك عبارة عن الكرسي لأنه كان من آلات ملكه، فالكلام على حد قرأت على المنبر، والمراد بما يتلونه السحر، فقد أخرج سفيان بن عيينة وابن جرير والحاكم، وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فإذا سمع أحدهم بكلمة كذب عليها ألف كذبة، فأشربتها قلوب الناس واتخذوها دوادوين فأطلع الله تعالى على ذلك سليمان بن داود فأخذها وقذفها تحت الكرسي فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممنع؟ قالوا: نعم فأخرجوه فإذا هو سحر فتناسختها الأمم فأنزل الله تعالى عذر سليمان فيما قالوا من السحر» وقيل: روي أن سليمان كان قد دفن كثيراً من العلوم التي خصه الله تعالى بها تحت سرير ملكه خوفاً على أنه إذا هلك الظاهر منها يبقى ذلك المدفون فلما مضت مدة على ذلك توصل قوم من المنافقين إلى أن كتبوا في خلال ذلك أشياء من السحر تناسب تلك الأشياء من بعض الوجوه ثم بعد موته واطلاع الناس على تلك الكتب أوهموهم أنها من علم سليمان، ولا يخفى ضعف هذه الرواية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد