الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً }

{ تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } في موضع الصفة لـِإدَّا } [مريم: 89] أو استئناف لبيان عظم شأنه في الشدة والهول، والتفطر على ما ذكره الكثير التشقق مطلقاً، وعلى ما يدل عليه كلام الراغب التشقق طولاً حيث فسر الفطر وهو منه بالشق كذلك، وموارد الاستعمال تقتضي عدم التقييد بما ذكر. نعم قيل: إنها تقتضي أن يكون الفطر من عوارض الجسم الصلب فإنه يقال: إناء مفطور ولا يقال: ثوب مفطور بل مشقوق، وهو عندي في أعراف الرد والقبول وعليه يكون في نسبة التفطر إلى السمٰوات والانشقاق إلى الأرض في قوله تعالى: { وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ } إشارة إلى أن السماء أصلب من الأرض، والتكثير الذي تدل عليه صيغة التفعل قيل في الفعل لأنه الأوفق بالمقام، وقيل: في متعلقه ورجح بأنه قد قرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وأبو بحرية والزهري وطلحة وحميد واليزيدي وأبو عبيد { ينفطرن } مضارع انفطر وتوافق القراءتين يقتضي ذلك، وبأنه قد اختير الانفعال في { وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ } حيث لا كثرة في المفعول ولذا أولوَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } [الطلاق: 12] بالأقاليم ونحوه كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ووجه بعضهم اختلاف الصيغة على القول بأن التكثير في الفعل بأن السمٰوات لكونها مقدسة لم يعص الله تعالى فيها أصلاً نوعاً ما من العصيان لم يكن لها ألف ما بالمعصية ولا كذلك الأرض فهي تتأثر من عظم المعصية ما لا تتأثر الأرض.

وقرأ ابن مسعود { يتصدعن } قال في «البحر»: وينبغي أن يجعل ذلك تفسيراً لا قراءة لمخالفته سواد المصحف المجمع عليه ولرواية الثقات عنه أنه قرأ كالجمهور انتهى. ولا يخفى عليك أن في ذلك كيفما كان تأييداً لمن ادعى / أن الفطر من عوارض الجسم الصلب بناء على ما في «القاموس» من أن الصدع شق في شيء صلب. وقرأ نافع والكسائي وأبو حيوة والأعمش { يكاد } بالياء من تحت.

{ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ } تسقط وتنهد { هَدّاً } نصب على أنه مفعول مطلق لتخر لأنه بمعنى تنهد كما أشرنا إليه وإليه ذهب ابن النحاس. وجوز أن يكون مفعولاً مطلقاً لتنهد مقدراً. والجملة في موضع الحال، وقيل: هو مصدر بمعنى المفعول منصوب على الحال من هد المتعدي أي مهدودة. وجوز أن يكون مفعولاً له أي لأنها تنهد على أنه من هد اللازم بمعنى انهدم ومجيئه لازماً مما صرح به أبو حيان وهو إمام اللغة والنحو فلا عبرة ممن أنكره، وحينئذ يكون الهد من فعل الجبال فيتحد فاعل المصدر والفعل المعلل به، وقيل: إنه ليس من فعلها لكنها إذا هدها أحد يحصل لها الهد فصح أن يكون مفعولاً له، وفي الكلام تقرير لكون ذلك إداً والكيدودة فيه على ظاهرها من مقاربة الشيء.

السابقالتالي
2 3