الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً }

{ قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } قرأ الحسن { وَهُوَ عَلَيَّ هَيّنٌ } بالواو، وعنه أنه كسر ياء المتكلم كما في قول النابغة:
علي لعمرو نعمة بعد نعمة   لوالده ليست بذات عقارب
ونحو ذلك قراءة حمزةوَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ } [إبراهيم: 22] بكسر الياء، والكاف إما رفع على الخبرية لمبتدأ محذوف أي الأمر كذلك وضمير { قَالَ } للرب عز وجل لا للملك المبشر لئلا يفك النظم، و { ذٰلكَ } إشارة إلى قول زكريا عليه السلام، والخطاب في { قَالَ رَبُّكَ } له عليه السلام لا لنبينا صلى الله عليه وسلم بدليل السابق واللاحق، وجملة { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } مفعول { قَالَ } الثاني وجملة الأمر كذلك مع جملة { قَالَ رَبُّكَ } الخ مفعول { قَالَ } الأول وإن لم يتخلل بين الجملتين عاطف كما في قوله تعالى:وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [هود: 41] وقوله سبحانه وتعالى:قَالُوۤاْ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا } [المؤمنون: 82-83] الآية وكم وكم، وجىء بالجملة الأولى تصديقاً منه تعالى لزكريا عليه السلام وبالثانية جواباً لما عسى يتوهم من أنه إذا كان ذلك في الاستبعاد بتلك المنزلة وقد صدقت فيه فأنى يتسنى فهي في نفسها استئنافية لذلك، ولا يحسن تخلل العاطف في مثل هاتين الجملتين إذا كان المحكي عنه قد تكلم بهما معاً من غير عاطف ليدل على الصورة الأولى للقول بعينها، وكذلك لا يحسن إضمار قول آخر لأنه يكون استئنافاً جواباً للمحكي له فلا يدل على أنه استئناف أيضاً في الأول إلا بمنفصل أما لو تكلم بهما في زمانين أو بدون ذلك الترتيب فالظاهر العطف أو الاستئناف بإضمار القول.

ثم لو كان الاقتصار في جواب زكريا عليه السلام على { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } من دون إقحام { قَالَ رَبُّكَ } لكان مستقيماً لكن إنما عدل إليه للدلالة على تحقيق الوعد وإزالة الاستبعاد بالكلية على منوال ما إذا وعد ملك بعض خواصه ما لا يجد نفسه تستأهل ذلك فأخذ يتعجب مستبعداً أن يكون من الملك بتلك المنزلة فحاول أن يحقق مراده ويزيل استبعاده فإما أن يقول لا تستبعد أنه أهون شيء علي على الكلام الظاهر وإما أن يقول لا تستبعد قد قلت إنه أهون شيء عليَّ إشارة منه إلى أنه وعد سبق القول به وتحتم وأنه من جلالة القدر بحيث لا يرى في إنجازه لباغيه كائناً من كان وقعاً فكيف لمن استحق منه لصدق قدمه في عبوديته إجلالاً ورفعاً، وهذا قول بلسان الإشارة يصدق وإن لم يكن قد سيق منه نطق به لأن المقصود أن علو المكانة وسعة القدرة وكمال الجود يقضي بذلك قيل: أولاً أولاً ثم إذا أراد ترشيح هذا المعنى عدل عن الحكاية قائلاً: قد قال من أنت غرس نعمائه أنه أهون شيء عليَّ ثم إذا حكى الملك القصة مع بعض خلصائه كان له أن يقول: قلت لعبدي فلان كيت وكيت قال: إني وليت قلت قال من أنت الخ وأن يقول بدله قال سيد فلان له ويسرد الحديث فهذا وزان الآية فيما جرى لزكريا عليه السلام وحكى لنبينا عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام، وقد لاح من هذا التقرير أن فوات نكتة الإقحام مانع من أن يجعل المرفوع من صلة { قَالَ } الثاني والمجموع صله الأول، والظاهر في توجيه قراءة الحسن على هذا أن جملة { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } عطف على محذوف من نحو أفعل وأنا فاعل، ويجوز أن يقال وربما أشعر كلام الزمخشري بإيثاره أنه عطف على الجملة السابقة نظراً إلى الأصل لما مر من أن { قَالَ } مقحم لنكتة فكأنه قيل الأمر كذلك وهو على ذلك يهون علي، وأما نصب بقال الثاني وهي الكاف التي تستعمل مقحمة في الأمر العجيب الغريب لتثبيته وذلك إشارة إلى مبهم يفسر ما بعده أعني { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } وضمير { قَالَ } للرب كما تقدم والخطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم أيضاً أي قال رب زكريا له قال ربك مثل ذلك القول العجيب الغريب هو عليَّ هين على أن { قَالَ } الثاني مع ما في صلته مقول القول الأول وإقحام القول الثاني لما سلف ولا ينصب الكاف بقال الأول وإلا لكان { قَالَ } ثانياً تأكيداً لفظياً لئلا يقع الفصل بين المفسر والمفسر بأجنبـي وهو ممتنع إذ لا ينتظم أن يقال: قال رب زكريا قال ربك ويكون الخطاب لزكريا عليه السلام والمخاطب غيره كيف وهذا النوع من الكلام يقع فيه التشبيه مقدماً لا سيما في التنزيل الجليل من نحو

السابقالتالي
2 3 4