الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً }

{ لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَـٰعَةَ } والذي يقتضيه مقام التهويل وتستدعيه جزالة التنزيل أن ينتصب بأحد الوجهين الأولين ويكون هذا استئنافاً مبيناً لبعض ما في ذلك اليوم من الأمور الدالة على هوله، وضمير الجمع لما يعم المتقين والمجرمين أي العباد مطلقاً وقيل: للمتقين، وقيل: للمجرمين من أهل الإيمان وأهل الكفر و { الشفاعة } ، على الأولين مصدر المبنى للفاعل وعلى الثالث ينبغي أن يكون مصدر المبني للمفعول.

وقوله تعالى: { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } استثناء متصل من الضمير على الأول ومحل المستثنى إما الرفع على البدل أو النصب على أصل الاستثناء، والمعنى لا يملك العباد أن يشفعوا لغيرهم إلا من اتصف منهم بما يستأهل معه أن يشفع وهو المراد بالعهد، وفسره ابن عباس بشهادة أن لا إله إلا الله والتبري من الحول والقوة عدم رجاء أحد إلا الله تعالى، وأخرج ابن أبـي شيبة وابن أبـي حاتم والطبراني وابن مردويه / والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه قرأ الآية وقال: إن الله تعالى يقول يوم القيامة: «من كان له عندي عهد فليقم فلا يقوم إلا من قال هذا في الدنيا: اللهم فاطر السمٰوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعله لي عهداً عندك تؤديه إلى يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد»، وأخرج ابن أبـي شيبة عن مقاتل أنه قال: العهد الصلاح، وروي نحوه عن السدي وابن جريج، وقال الليث: هو حفظ كتاب الله تعالى، وتسمية ما ذكر عهداً على سبيل التشبيه، وقيل: المراد بالعهد الأمر والإذن من قولهم: عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به أي لا يملك العباد أن يشفعوا إلا من أذن الله عز وجل له بالشفاعة وأمره بها فإنه يملك ذلك، ولا يأبى { عِندَ } الاتخاذ أصلاً فإنه كما يقال: أخذت الإذن في كذا يقال: اتخذته، نعم في قوله تعالى: { عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } نوع إباء عنه مع أن الجمهور على الأول، والمراد بالشفاعة على القولين ما يعم الشفاعة في دخول الجنة والشفاعة في غيره ونازع في ذلك المعتزلة فلم يجوزوا الشفاعة في دخول الجنة والأخبار تكذبهم، فعن أبـي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس فيدخلون الجنة بشفاعته وإن الرجل ليشفع للرجل وأهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته " ، وجوز ابن عطية أن يراد بالشفاعة الشفاعة العامة في فصل القضاء وبمن اتخذ النبـي صلى الله عليه وسلم وبالعهد الوعد بذلك في قوله سبحانه وتعالى:

السابقالتالي
2