الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً }

{ كَلاَّ } ردع لهم وزجر عن ذلك، وفيه إنكار لوقوع ما علقوا به أطماعهم الفارغة { سَيَكْفُرُونَ بِعِبَـٰدَتِهِمْ } أي ستجحد الآلهة عبادة أولئك الكفرة إياها وينطق الله تعالى من لم يكن ناطقاً منها فتقول جميعاً ما عبدتمونا كما قال سبحانه:وَإِذَا رَءا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَٰؤُلآء شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَـٰذِبُونَ } [النحل: 86] أو ستنكر الكفرة حين يشاهدون عاقبة سوء كفرهم عبادتهم إياها كما قال سبحانه:لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23].

ومعنى قوله تعالى: { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } على الأول على ما قيل تكون الآلهة التي كانوا يرجون أن تكون لهم عزاً ضداً للعز أي ذلاً وهواناً أو أعواناً عليهم كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو / أظهر من التفسير السابق، وكونهم أعواناً عليهم لأنهم يلعنونهم، وقيل: لأن عبادتهم كانت سبباً للعذاب. وتعقب بأن هذا لم يحدث يوم القيامة وظاهر الآية الحدوث ذلك اليوم والأمر فيه هين، وقيل: لأنهم يكونون آلة لعذابهم حيث يجعلون وقود النار وحصب جهنم وهذا لا يتسنى إلا على تقدير أن يراد بالآلهة الأصنام، وإطلاق الضد على العون لما أن عون الرجل يضاد عدوه وينافيه بإعانته له عليه، وعلى الثاني يكون الكفرة على الآلهة أي أعداء لها من قولهم: الناس عليكم أي أعداؤكم، ومنه «اللهم كن لنا ولا تكن علينا» ضداً أي منافين ما كانوا عليه كافرين بها بعدما كانوا يعبدونها فعليهم على ما قيل خبر يكون، { وضداً } حال مؤكدة والعداوة مرادة مما قبله، وقيل: إنها مرادة منه وهو الخبر و { عَلَيْهِمْ } في موضع الحال، وقد فسره بأعداء الضحاك وهو على ما نقل عن الأخفش كالعدو يستعمل مفرداً وجمعاً. وبذلك قال صاحب «القاموس» وجعل ما هنا جمعاً، وأنكر بعضهم كونه مما يطلق على الواحد والجمع، وقال: هو للواحد فقط وإنما وحد هنا لوحدة المعنى الذي يدور عليه مضادتهم فإنهم بذلك كالشيء الواحد كما في قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي " وهم يد على من سواهم " ، وقال صاحب «الفرائد»: إنما وحد لأنه ذكر في مقابلة قوله تعالى:عِزّاً } [مريم: 81] وهو مصدر يصلح لأن يكون جمعاً فهذا وإن لم يكن مصدراً لكن يصلح لأن يكون جمعاً نظراً إلى ما يراد منه وهو الذل، وهذا إذا تم فإنما يتم على المعنى الأول، وقد صرح في «البحر» أنه على ذلك مصدر يوصف به الجمع كما يوصف به الواحد فليراجع. وقرأ أبو نهيك هنا وفيما تقدم { كَلاَّ } بفتح الكاف والتنوين فقيل إنها الحرف الذي للردع إلا أنه نوى الوقف عليها فصار ألفها كألف الإطلاق ثم أبدلت تنويناً، ويجوز أن لا يكون نوى الوقف بل أجريت الألف مجرى ألف الإطلاق لما أن ألف المبنى لم يكن لها أصل ولم يجز أن تقع روياً ويسمى هذا تنوين الغالي وهو يلحق الحروف وغيرها ويجامع الألف واللام كقولك:

السابقالتالي
2