الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً }

{ قُلْ مَن كَانَ فِى ٱلضَّلَـٰلَةِ } الخ أمر منه تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب هؤلاء المفتخرين بما لهم من الحظوظ الدنيوية على المؤمنين ببيان مآل أمر الفريقين إما على وجه كلي متناول لهم ولغيرهم من المنهمكين في اللذة الفانية المبتهجين بها على أن (من) على عمومها، وإما على وجه خاص بهم على أنها عبارة عنهم. ووصفهم بالتمكن في الضلالة لذمهم والإشعار بعلة الحكم أي من كان مستقراً في الضلالة مغموراً بالجهل والغفلة عن عواقب الأمور { فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً } أي يمد سبحانه له ويمهله بطول العمر وإعطاء المال والتمكن من التصرفات فالطلب في معنى الخبر، واختير للإيذان بأن ذلك مما ينبغي أن يفعل بموجب الحكمة لقطع المعاذير كما ينبىء عنه قوله تعالى:أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } [فاطر: 37] فيكون حاصل / المعنى من كان في الضلالة فلا عذر له فقد أمهله الرحمن ومد له مداً، وجوز أن يكون ذلك للاستدراج كما ينطق به قوله تعالى:إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً } [آل عمران: 178] وحاصل المعنى من كان في الضلالة فعادة الله تعالى أن يمد له ويستدرجه ليزداد إثماً، وقيل: المراد الدعاء بالمد إظهاراً لعدم بقاء عذر بعد هذا البيان الواضح فهو على أسلوبرَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } [يونس: 88] إن حمل على الدعاء، قال في «الكشف»: الوجه الأول أوفق بهذا المقام، والتعرض لعنوان الرحمانية لما أن المد من أحكامها.

{ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ } إلى آخرها غاية للمد وجمع الضمير في الفعلين باعتبار معنى من كما أن الإفراد في الضميرين الأولين باعتبار لفظها، وما اسم موصول والجملة بعده صلة والعائد محذوف أي الذي يوعدونه، واعتبار ما مصدرية خلاف الظاهر.

وقوله تعالى: { إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ } بدل من { مَا } وتفصيل للموعود على طريقة منع الخلو، والمراد بالعذاب الدنيوي بغلبة المؤمنين واستيلائهم عليهم، والمراد بالساعة قيل: يوم القيامة وهو الظاهر. وقيل: ما يشمل حين الموت ومعاينة العذاب ومن مات فقد قامت قيامته وذلك لتتصل الغاية بالمغيا فإن المد لا يتصل بيوم القيامة، وأجيب بأن أمر الفاصل سهل لأن أمور هذه الدنيا لزوالها وتقضيها لا تعد فاصلة كما قيل ذلك في قوله تعالى:أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً } [نوح: 25].

وقوله تعالى: { فَسَيَعْلَمُونَ } جواب الشرط وهما في الحقيقة الغاية إن قلنا: إن المجموع هو الكلام أو مفهومه فقط إن قلنا: إنه هو الكلام والشرط قيد له، و { حَتَّىٰ } عند ابن مالك جارة وهي لمجرد الغاية لا جارة ولا عاطفة عند الجمهور وهكذا هي كلما دخلت على إذا الشرطية وهي منصوبة بالشرط أو الجزاء على الخلاف المشهور، والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب، والمراد حتى إذا عاينوا ما يوعدون من العذاب الدنيوي أو الأخروي فقط فسيعلمون حينئذ { مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً } من الفريقين بأن يشاهدوا الأمر على عكس ما كانوا يقدرونه فيعلمون أنهم شر مكاناً لا خير مقاماً، وفي التعبير بالمكان هنا دون المقام المعبر به هناك مبالغة في إظهار سوء حالهم { وَأَضْعَفُ جُنداً } أي فئة وأنصاراً لا أحسن ندياً، ووجه التقابل أن حسن الندى باجتماع وجوه القوم وأعيانهم وظهور شوكتهم واستظهارهم.

السابقالتالي
2