الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً }

{ وَإِن مّنكُمْ } التفات إلى خطاب الإنسان سواء أريد منه العموم أو خصوص الكفرة لإظهار مزيد الاعتناء بمضمون الكلام. وقيل: هو خطاب للناس وابتداء كلام منه عز وجل بعدما أتم الغرض من الأول فلا التفات أصلاً. ولعله الأسبق إلى الذهن لكن قيل يؤيد الأول قراءة ابن عباس وعكرمة وجماعة { وإن منهم } أي وما منكم أحد { إِلاَّ وَارِدُهَا } أي داخلها كما ذهب إلى ذلك جمع كثير من سلف المفسرين وأهل السنة، وعلى ذلك قول تعالى:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [الأنبياء: 98]. وقوله تعالى في فرعون:يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } [هود: 98]. واحتج ابن عباس بما ذكر على ابن الأزرق حين أنكر عليه تفسير الورود بالدخول وهو جار على تقدير عموم الخطاب أيضاً فيدخلها المؤمن إلا أنها لا تضره على ما قيل، فقد أخرج أحمد والحكيم الترمذي وابن المنذر والحاكم وصححه وجماعة عن أبـي سمية قال: اختلفنا في الورود فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن. وقال آخر: يدخلونها جميعاً ثم ينجي الله تعالى الذين اتقوا فلقيت جابر بن عبد الله رضي الله تعالى / عنه فذكرت له فقال: وأهوى بإصبعيه إلى أذنيه صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يبق بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم عليه السلام حتى أن للنار ضجيجاً من بردهم ثم ينجي الله تعالى الذين اتقوا " ، وقد ذكر الإمام الرازي لهذا الدخول عدة فوائد في «تفسيره» فليراجع.

وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري والبيهقي عن الحسن: الورود المرور عليها من غير دخول، وروي ذلك أيضاً عن قتادة وذلك بالمرور على الصراط الموضوع على متنها على ما رواه جماعة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، ويمر المؤمن ولا يشعر بها بناء على ما أخرج ابن أبـي شيبة وعبد بن حميد والحكيم وغيرهم عن خالد بن معدان قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: ربنا ألم تعدنا أن نرد النار قال: بلى ولكنكم مررتم عليها وهي خامدة، ولا ينافي هذا ما أخرجه الترمذي والطبراني وغيرهما عن يعلى ابن أمية عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تقول النار للمؤمن يوم القيامة جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبـي " لجواز أن لا يكون متذكراً هذا القول عند السؤال أو لم يكن سمعه لاشتغاله، وأخرج ابن أبـي حاتم عن ابن زيد أنه قال في الآية: ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهريها وورود المشركين أن لا يدخلوها، ولا بد على هذا من ارتكاب عموم المجاز عند من لا يرى جواز استعمال اللفظ في معنيين، وعن مجاهد أن ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3