الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً }

فالمراد بالذين هم أولى المنتزعون باعتبار الترتيب، وقد يراد بهم أولئك باعتبار المجموع فكأنه قيل: ثم لنحن أعلم بتصلية هؤلاء وهم أولى بالصلي من بين سائر الصالين ودركاتهم أسفل وعذابهم أشد ففي الكلام إقامة المظهر مقام المضمر، وفسر بعضهم النزع بالرمي من نزعت السهم عن القوس أي رميته فالمعنى لنرمين فيها الأعصى فالأعصى من كل طائفة من تلك الطوائف ثم لنحن أعلم بتصليتهم؛ وحمل الآية على البدء بالأشد فالأشد مروي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. وجوز أن يراد بأشدهم عتياً رؤساء الشيع وأئمتهم لتضاعف جرمهم بكونهم ضلالاً مضلين قال الله تعالى:ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } [النحل: 88]وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [العنكبوت: 13]. وأخرج ذلك ابن أبـي حاتم عن قتادة وعليه لا يجب الاستمرار والإحاطة. وأورد على القول بالعموم أن قوله تعالى: { أَشَدَّ... عِتِيّاً } [مريم: 69] يقتضي اشتراك الكل في العتي بل في أشديته وهو لا يناسب المؤمنين، وأجيب عنه بأن ذلك من نسبة ما للبعض إلى الكل والتفضيل على طائفة لا يقتضي مشاركة كل فرد فرد فإذا قلت: هو أشجع العرب لا يلزمه وجود الشجاعة في جميع أفرادهم، وعلى هذا يكون في الآية إيماء إلى التجاوز عن كثير حيث خص العذاب بالأشد معصية، وأَيُّهُم } [مريم: 69] مفعولنَنزِعَنَّ } [مريم: 69] وهو اسم موصول بمعنى الذي مبني على الضم محله / النصب وأَشَدَّ } [مريم: 69] خبر مبتدأ محذوف أي هو أشد والجملة صلة والعائد المبتدأ وعَلَىٰ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [مريم: 69] متعلق بأشد، { وعتياً } تمييز محول عن المبتدأ، ومن زعم أنه جمع جعله حالاً، وجوز في الجار أن يكون للبيان فهو متعلق بمحذوف كما في سقيا لك، ويجوز تعلقه بعتياً، أما إن كان وصفاً فبالاتفاق، وأما إذا كان مصدراً فعند القائل بجواز تقدم معمول المصدر لا سيما إذا كان ظرفاً، وكذا الكلام في { بِهَا } من قوله تعالى: { هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } فإنه جوز أن يكون الجار للبيان وأن يكون متعلقاً بأولى وأن يكون متعلقاً بصلياً، وقد قرىء بالضم والكسر، وجوز فيه المصدرية والوصفية، وهو على الوصفية حال وعلى المصدرية تمييز على طرز ما قيل فيعِتِيّاً } [مريم: 69] إلا أنه جوز فيه أن يكون تمييزاً عن النسبة بين { أَوءلَىٰ } والمجرور وقد أشير إلى ذلك فيما مر.

والصلي من صلي النار كرضي وبها قاسى حرها، وقال الراغب: يقال صلي بالنار وبكذا أي بلى به، وعن الكلبـي أنه فسر الصلى بالدخول، وعن ابن جريج أنه فسره بالخلود، وليس كل من المعنيين بحقيقي له كما لا يخفى، ثم ما ذكر من بناء ـ أي ـ هنا هو مذهب سيبويه، وكان حقها أن تبنى في كل موضع كسائر الموصولات لشبهها الحرف بافتقارها لما بعدها من الصلة لكنها لما لزمت الإضافة إلى المفرد لفظاً أو تقديراً وهي من خواص الأسماء بعد الشبه فرجعت إلى الأصل في الأسماء وهو الإعراب ولأنها إذا أضيفت إلى نكرة كانت بمعنى كل وإذا أضيفت إلى معرفة كانت بمعنى بعض فحملت في الإعراب على ما هي بمعناه وعادت هنا عنده إلى ما هو حق الموصول وهو البناء لأنه لما حذف صدر صلتها إزداد نقصها المعنوي وهو الإبهام والافتقار للصلة بنقص الصلة التي هي كجزئها فقويت مشابهتها للحرف، ولم يرتض كثير من العلماء ما ذهب إليه.

السابقالتالي
2 3