الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً }

{ وَأَعْتَزِلُكُمْ } الظاهر أنه عطف علىسَأَسْتَغْفِرُ } [مريم: 47] والمراد أتباعد عنك وعن قومك { وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } بالمهاجرة بديني حيث لم تؤثر فيكم نصائحي. يروى أنه عليه السلام هاجر إلى الشام، وقيل إلى حران وهو قريب من ذلك وكانوا بأرض كوثى وفي هجرته هذه تزوج سارة ولقي الجبار الذي أخدم سارة هاجر، وجوز حمل الاعتزال على الاعتزال بالقلب والاعتقاد وهو خلاف الظاهر المأثور { وَأَدْعُواْ رَبِّي } أي أعبده سبحانه وحده كما يفهم من اجتناب غيره تعالى من المعبودات وللتغاير بين العبادتين غوير بين العبارتين، وذكر بعضهم أنه عبر بالعبادة أولاً لأن ذلك أوفق بقول أبيهأَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ ءَالِهَتِى } [مريم: 46] مع قوله فيما سبق:يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ } [مريم: 42] الخ، وعبر ثانياً بالدعاء لأنه أظهر في الإقبال المقابل للاعتزال. وجوز أن يراد بذلك الدعاء مطلقاً أو ما حكاه سبحانه في سورة الشعراء [83] وهو قوله:رَبّ هَبْ لِى حُكْماً وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ } وقيل لا يبعد أن يراد استدعاء الولد أيضاً بقوله:رَبّ هَبْ لِى مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينِ } [الصافات: 100] حسبما يساعده السياق والسباق.

{ عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا } خائباً ضائع السعي. وفيه تعريض بشقاوتهم في عبادة آلهتهم. وفي تصدير الكلام بعسى من إظهار التواضع ومراعاة حسن الأدب والتنبيه على حقيقة الحق من أن الإثابة والإجابة بطريق التفضل منه عز وجل لا بطريق الوجوب وأن العبرة بالخاتمة وذلك الغيوب المختصة بالعليم الخبير ما لا يخفى.