الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً }

{ وَجَعَلَنِى } مع ذلك { مُبَارَكاً } قال مجاهد نفاعاً ومن نفعه إبراء الأكمه والأبرص. وقال سفيان: معلم الخير آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر. وعن الضحاك قاضياً للحوائج، والأول أولى لعمومه، والتعبير بلفظ الماضي في الأفعال الثلاثة إما باعتبار ما في القضاء المحتوم أو بجعل ما في شرف الوقوع لا محالة كالذي وقع. وقيل أكمله الله تعالى عقلاً واستنبأه طفلاً وروي ذلك عن الحسن. وأخرج ابن أبـي حاتم عن أنس أن عيسى عليه السلام درس الإنجيل وأحكمه في بطن أمه وذلك قوله:آتانى ٱلْكِتَـٰبَ } [مريم: 30] { أَيْنَ مَا كُنتُ } أي حيثما كنت. وفي «البحر» أن هذا شرط وجزاؤه محذوف تقديره جعلني مباركاً وحذف لدلالة ما تقدم عليه، ولا يجوز أن يكون معمولاً لجعلني السابق لأن ـ أين ـ لا تكون إلا استفهاماً أو شرطاً والأول لا يجوز هنا فتعين الثاني واسم الشرط لا ينصبه فعل قبله وإنما هو معمول للفعل الذي يليه.

{ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ } أي أمرني بهما أمراً مؤكداً. والظاهر أن المراد بهما ما شرع في البدن والمال على وجه مخصوص. وقيل المراد بالزكاة زكاة الفطر. وقيل المراد بالصلاة الدعاء وبالزكاة تطهير النفس عن الرذائل، ويتعين هذا في الزكاة على ما نقل عن ابن عطاء الله وإن كان منظوراً فيه من أنه لا زكاة على الأنبياء عليهم السلام لأن الله تعالى نزههم عن الدنيا فما في أيديهم لله تعالى ولذا لا يورثون أو لأن الزكاة / تطهير وكسبهم طاهر. وقيل لا يتعين لأن ذلك أمر له بإيجاب الزكاة على أمته وهو خلاف الظاهر، وإذا قيل بحمل الزكاة على الظاهر فالظاهر أن المراد أوصاني بأداء زكاة المال أن ملكته فلا مانع من أن يشمل التوقيت بقوله سبحانه: { مَا دُمْتُ حَيّاً } مدة كونه عليه السلام في السماء، ويلتزم القول بوجوب الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام هناك كذا قيل. وأنت تعلم أن الظاهر المتبادر من المدة المذكورة مدة كونه عليه الصلاة والسلام حياً في الدنيا على ما هو المتعارف وذلك لا يشمل مدة كونه عليه السلام في السماء، ونقل ابن عطية أن أهل المدينة وابن كثير وأبا عمرو قرأوا { دمت } بكسر الدال ولم نجد ذلك لغيره نعم قيل إن ذلك لغة.