الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً }

{ قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } أطلقوا الكلام في أنه نظير ما تقدم في قصة زكريا عليه السلام. وفي «الكشف» أنه لا يجري فيه تمام الأوجه التي ذكرها الزمخشري هناك لأن { قَالَ } أولاً فيه ضمير الرسول إليها فكذلك إن علق بالثاني يكون المعنى قال الرسول قال ربك كذلك ثم فسره بقوله: { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } أو المعنى مثل ذلك القول العجيب الذي سمعته ووعدتك قال ربك على إقحام الكاف ثم استأنف / هو عليَّ هين ولا بد من إضمار القول لأن المخاطب لها جبريل عليه السلام وقوله: { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } كلام الحق تعالى شأنه حكاه لها. وإن علق بالأول يكون المعنى الأمر كذلك تصديقاً لها أو كما وعدت تحقيقاً له ثم استأنف قال ربك هو علي هين لإزالة الاستبعاد أو لتقرير التحقيق ولا يبعد أن يجعل { قَالَ رَبُّكِ } على هذا تفسيراً وكذلك مبهماً انتهى. ولا أرى ما نقل عن ابن المنير هناك وجهاً هنا.

{ وَلِنَجْعَلَهُ } تعليل لمعلل محذوف أي لنجعل وهب الغلام { ءايَةً } وبرهاناً { لِلنَّاسِ } جميعهم أو المؤمنين على ما روي عن ابن عباس يستدلون به على كمال قدرتنا { وَرَحْمَةً } عظيمة كائنة { مِنَّا } عليهم يهتدون بهدايته ويسترشدون بإرشاده فعلنا ذلك. وجوز أن يكون معطوفاً على علة أخرى مضمرة أي لنبين به عظم قدرتنا ولنجعله آية الخ. قال في «الكشف»: إن مثل هذا يطرد فيه الوجهان ويرجح كل واحد بحسب المقام وحذف المعلل هنا أرجح إذ لو فرض علة أخرى لم يكن بد من معلل محذوف أيضاً فليس قبل ما يصلح فهو تطويل للمسافة. وهذه الجملة ـ أعني العلة مع معللها ـ معطوفة على قوله { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } وفي إيثار الأولى اسمية دالة على لزوم الهون مزيلة للاستبعاد والثانية فعلية دالة على أنه تعالى أنشأه لكونه آية ورحمة خاصة لا لأمر آخر ينافيه مراداً بها التجدد لتجدد الوجود لينتقل من الاستبعاد إلى الاستحماد ما لا يخفى من الفخامة انتهى. ولا يرد أنه إذا قدر علة نحو لنبين جاز أن يكون ذلك متعلقاً بما يدل عليه { هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ } من غير حذف شيء فلا يصح قوله لم يكن بد من معلل محذوف لظهور ما فيه. وما ذكره من العطف خالف فيه بعضهم فجعل الواو على الأول اعتراضية. ومن الناس من قال: إن { لنجعله } على قراءة { ليهب } [مريم: 19] عطف عليه على طريقة الالتفات من الغيبة إلى التكلم. وجوز أيضاً العطف علىلأهَبَ } [مريم: 19] على قراءة أكثر السبعة. ولا يخفى بعد هذا العطف على القراءتين.

{ وَكَانَ } ذلك { أَمْراً مَّقْضِيّاً } محكماً قد تعلق به قضاؤنا الأزلي أو قدر وسطر في اللوح لا بد لك منه أو كان أمراً حقيقاً بمقتضى الحكمة والتفضل أن يفعل لتضمنه حكماً بالغة. وهذه الجملة تذييل إما لمجموع الكلام أو للأخير.