الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً }

{ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ } أي من المصلى كما روي عن ابن زيد أو من الغرفة كما قيل، وأصل المحراب كما قال الطبرسي: ((مجلس الأشراف الذي يحارب دونه ذباً عن أهله، ويسمى محل العبادة محراباً لما أن العابد كالمحارب للشيطان فيه))، وإطلاق المحراب على المعروف اليوم في المساجد لذلك وهو محدث لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ألف الجلال السيوطي في ذلك رسالة صغيرة سماها «إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب». روي أن قومه كانوا من وراء المحراب ينتظرون أن يفتح لهم الباب فيدخلوه ويصلوا فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم متغيراً لونه فأنكروه وقالوا: مالك؟ { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ } أي أومأ إليهم وأشار كما روي عن قتادة وابن منبه والكلبـي والقرطبـي وهو إحدى الروايتين عن مجاهد، ويشهد له قوله تعالى:إِلاَّ رَمْزًا } [آل عمران: 41] وروي عن ابن عباس كتب لهم على الأرض. { أَن سَبّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } وهو الرواية الأخرى عن مجاهد لكن بلفظ على التراب بدل على الأرض وقال عكرمة: كتب على ورقة. وجاء إطلاق الوحي على الكتابة في كلام العرب ومنه قول عنترة:
كوحي صحائف من عهد كسرى   فأهداها لأعجم طمطمى
وقول ذي الرمة:
سوى الأربع الدهم اللواتي كأنها   بقية وحي في بطون الصحائف
و { أنٍ } إما مفسرة أو مصدرية فتقدر قبلها الباء الجارة. والمراد بالتسبيح الصلاة مجازاً بعلاقة الاشتمال وهو المروي عن ابن عباس وقتادة وجماعة و { بُكْرَةً وَعَشِيّاً } ظرفا زمان له. والمراد بذلك كما أخرج ابن أبـي حاتم عن أبـي العالية صلاة الفجر وصلاة العصر، وقال بعض: التسبيح على ظاهره وهو التنزيه أي نزهوا ربكم طرفي النهار، ولعله عليه السلام كان مأموراً بأن يسبح شكراً ويأمر قومه.

وقال صاحب «التحرير والتحبير»: عندي في هذا معنى لطيف وهو أنه إنما خص التسبيح بالذكر لأن العادة جارية أن كل من رأى أمراً عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة أو غريب حكمة يقول: سبحان الله تعالى سبحان الخالق جل جلاله فلما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر عجب من ذلك فسبح وأمر بالتسبيح اهـ.

/ فأمرهم بالتسبيح إشارة إلى حصول أمر عجيب، وقيل: إنه عليه السلام كان قد أخبر قومه بما بشر به قبل جعل العلامة فلما تعذر عليه الكلام أشار إليهم بحصول ما بشر به من الأمر العجيب فسروا بذلك. وقرأ طلحة { أن سبحوه } بهاء الضمير عائدة إلى الله تعالى، وروى ابن غزوان عن طلحة { أن سبحن } بنون مشددة.