الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً }

{ ءاتُونِى زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ } جمع زبرة كغرف في غرفة وهي القطعة العظيمة، وأصل الزبر الاجتماع ومنه زبرت الكتاب جمعت حروفه وزبرة الأسد لما اجتمع على كاهله من الشعر، وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن زبر الحديد فقال: قطعة وأنشد قول كعب بن مالك:
تلظى عليهم حين شد حميها   بزبر الحديد والحجارة شاجر
وطلب إيتاء الزبر لا ينافي أنه لم يقبل منهم شيئاً لأن المراد من الإيتاء المأمور به الإيتاء بالثمن أو مجرد المناولة والإيصال وإن كان ما آتوه له لا إعطاء ما هو لهم فهو معونة مطلوبة، وعلى تسليم كون الإيتاء بمعنى الإعطاء لا المناولة يقال: إن إعطاء الآلة للعمل لا يلزمه تملكها ولو تملكها لا يعد ذلك جعلاً فإنه إعطاء المال لا إعطاء مثل هذا، وينبىء عن أن المراد ليس الإعطاء قراءة أبـي بكر عن عاصمرَدْمًا ٱئْتُونِى } [الكهف: 95-96] بكسر التنوين ووصل الهمزة من أتاه بكذا إذ جاء به له وعلى هذه القراءة نصب { زُبُراً } بنزع الخافض أي جيئوني بزبر الحديد وتخصيص زبر الحديد بالذكر دون الصخور والحطب ونحوهما لما أن الحاجة إليها أمس إذ هي الركن القوي في السد ووجودها أعز. وقرأ الحسن { زبر } بضم الباء كالزاي.

{ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } في الكلام حذف أي فأتوه إياها فأخذ يبني شيئاً فشيئاً حتى إذا جعل ما بين جانبـي الجبلين من البنيان مساوياً لهما في العلو فبين مفعول ساوى وفاعله ضمير ذي القرنين، وقيل: الفاعل ضمير السد المفهوم من الكلام أي فأتوه إياها فأخذ يسد بها حتى إذا ساوى السد الفضاء الذي بين الصدفين ويفهم من ذلك مساواة السد في العلو للجبلين، والصدف كما أشرنا إليه جانب الجبل وأصله على ماقيل: الميل، ونقل في «الكشف» أنه لا يقال للمنفرد صدف حتى يصادفه الآخر ثم قال: فهو من الأسماء المتضايفة كالزوج وأمثاله، وقال أبو عبيدة: هو كل بناء عظيم مرتفع ولا يخفى أنه ليس بالمراد هنا. وزعم بعضهم أن المراد به هنا الجبل وهو خلاف ما عليه الجمهور.

وقرأ قتادة (سوى) من التسوية. وقرأ ابن أبـي أمية عن أبـي بكر عن عاصم { سووى } بالبناء للمجهول، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والزهري ومجاهد والحسن { ٱلصدفين } بضم الصاد والدال وهي لغة حمير كما أن فتحهما في قراءة / الأكثرين لغة تميم، وقرأ أبو بكر وابن محيصن وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن { ٱلصدفين } بضم فسكون. وقرأ ابن جندب بفتح فسكون، وروي ذلك عن قتادة، وفي رواية أخرى عنه أنه قرأ بضم ففتح وهي قراءة أبان عن عاصم، وقرأ الماجشون بفتح فضم.

السابقالتالي
2