الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً }

{ قَالُواْ } أي بواسطة مترجمهم فإسناد القول إليهم مجاز، ولعل هذا المترجم كان من قوم بقرب بلادهم، ويؤيد ذلك ما وقع في مصحف ابن مسعود (قال الذين من دونهم)، أو بالذات على أن يكون فهم ذي القرنين كلامهم وإفهامه إياهم من جملة ما آتاه الله تعالى من الأسباب، وقال بعضهم: لا يبعد أن يقال القائلون قوم غير الذين لا يفهمون قولاً ولم يقولوا ذلك على طريق الترجمة لهم وأيد بما في مصحف ابن مسعود. وأياً ما كان فلا منافاة بينلاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } [الكهف: 93].

وقالوا: { يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } قبيلتان من ولد يافث بن نوح عليه السلام وبه جزم وهب بن منبه وغيره واعتمده كثير من المتأخرين. وقال الثعالبي في «العرائس»: إن يافث سار إلى المشرق فولد له هناك خمسة أولاد جومر وبنرش وأشار واسقويل ومياشح فمن جومر جميع الصقالبة والروم وأجناسهم ومن مياشح جميع أصناف العجم ومن أشار يأجوج ومأجوج وأجناسهم ومن اسقويل جميع الترك ومن بنرش الفقجق واليونان، وقيل: كلاهما من الترك وروي ذلك عن الضحاك، وفي كلام بعضهم أن الترك منهم لما أخرجه ابن جرير وابن مردويه من طريق السدي من أثر قوي الترك سرية من سرايا يأجوج ومأجوج خرجت فجاء ذو القرنين فبنى السد فبقوا خارجين عنه، وفي رواية عبد الرزاق عن قتادة أن يأجوج ومأجوج ثنتان وعشرون قبيلة بني ذو القرنين السد على إحدى وعشرين وكانت واحدة منهم خارجة للغزو فبقيت خارجة وسميت الترك لذلك وقيل: يأجوج من الترك ومأجوج من الديلم، وقيل من الجيل، وعن كعب الأحبار أن يأجوج ومأجوج من ولد آدم عليه السلام من غير حواء وذلك أنه عليه السلام نام فاحتلم فامتزجت نطفته في التراب فخلق منها يأجوج ومأجوج، ونقل النووي في «فتاواه» القول بأنهم أولاد آدم عليه السلام من غير حواء عن جماهير العلماء.

وتعقب دعوى الاحتلام بأن الأنبياء عليهم السلام لا يحتلمون، وأجيب بأن المنفي الاحتلام بمن لا تحل لهم فيجوز أن يحتلموا بنسائهم فلعل احتلام آدم عليه السلام من القسم الجائز، ويحتمل أيضاً أن يكون منه / عليه السلام إنزال من غير أن يرى نفسه أنه يجامع كما يقع كثيراً لأبنائه، واعترض أيضاً بأنه يلزم على هذا أنهم كانوا قبل الطوفان ولم يهلكوا به، وأجيب بأن عموم الطوفان غير مجمع عليه فلعل القائل بذلك ممن لا يقول بعمومه وأنا أرى هذا القول حديث خرافة، وقال الحافظ ابن حجر: لم يرد ذلك عن أحد من السلف إلا عن كعب الأحبار، ويرده الحديث المرفوع أنهم من ذرية نوح عليه السلام ونوح من ذرية حواء قطعاً.

السابقالتالي
2