الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً }

{ أَمْ حَسِبْتَ } خطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم والمقصود غيره كما ذهب إليه غير واحد. و { أَمْ } منقطعة مقدرة ببل التي هي للانتقال من كلام إلى آخر لا للإبطال وبهمزة الاستفهام عند الجمهور وببل وحدها عند بعض، وقيل: هي هنا بمعنى الهمزة والحق الأول أي بل أحسبت { أَنَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ } في بقائهم على الحياة ونومهم مدة طويلة من الدهر { مِنْ ءايَـٰتِنَا } أي من بين دلائلنا الدالة على القدرة والألوهية { عَجَبًا } أي آية ذات عجب وضعاً له / موضع المضاف أو وصفاً لذلك بالمصدر مبالغة، وهو خبر لكانوا و { مِنْ ءايَـٰتِنَا } حال منه كما هو قاعدة نعت النكرة إذا تقدم عليها. وجوز أبو البقاء أن يكون { عَجَبًا } و { مِنْ ءايَـٰتِنَا } خبرين وأن يكون { عَجَبًا } حالاً من الضمير في الجار والمجرور وليس بذاك. والمعنى أن قصتهم وإن كانت خارقة للعادة ليست بعجيبة بالنسبة إلى سائر الآيات التي من جملتها ما تقدم، ومن هنا يعلم وجه الربط.

وفي «الكشف» أنه تعالى ذكر من الآيات الكلية وإن كان لتسليته صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينبغي أن يبخع نفسه على آثارهم فالمسترشد يكفيه أدنى إشارة والزائغ لا تجدي فيه آيات النذارة والبشارة ما يشتمل على أمهات العجائب وعقبه سبحانه بقوله: { أَمْ حَسِبْتَ } الخ يعني أن ذلك أعظم من هذا فمن لا يتعجب من ذلك لا ينبغي أن يتعجب من هذا وأريد من الخطاب غيره صلى الله عليه وسلم لأنه كان يعرف من قدرته تعالى ما لا يتعاظمه لا الأول ولا الثاني فأنكر اختلافهم في حالهم تعجباً وإضرابهم عن مثل تلك الآيات البينات والاعتراض عليه بأن الإضراب عن الكلام الأول إنما يحسن إذا كان الثاني أغرب ليحصل الترقي. وإيثار أن الهمزة للتقرير وهو قول آخر في الآية لذلك غير قادح لأن تعجبهم عن هذا دون الأول هو المنكر وهو الأغرب فافهم. وبأن المنكر ينبغي أن يكون مقرراً عند السامع معلوماً عنده، وهذا ابتداء إعلام منه تعالى على ما يعرف من سبب النزول كذلك لأن الإنكار من تعجبهم ويكفي في ذلك معرفتها إجمالاً وكانت حاصلة كيف وقد علمت أنه راجع إلى الغير أعني أصحاب الكتاب الذين أمروا قريشاً بالسؤال وكانوا عالمين، ثم إنه مشترك الإلزام لأن التقرير أيضاً يقتضي العلم بل أولى انتهى.

وقال الطبري: المراد إنكار ذلك الحسبان عليه عليه الصلاة والسلام على معنى لا يعظم ذلك عندك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة فإن سائر آيات الله تعالى أعظم من قصتهم وزعم أن هذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق وفي القلب منه شيء.

السابقالتالي
2 3