الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }

{ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ } الجمهور على أنها إنطاكية وحكاه الثعلبـي عن ابن عباس، وأخرج ابن أبـي حاتم من طريق قتادة عنه أنها برقة وهي كما في «القاموس» اسم لمواضع، وفي «المواهب» أنها قرية بأرض الروم والله تعالى أعلم، وأخرج ابن أبـي حاتم وابن مردويه عن السدي أنها باجروان وهي أيضاً اسم لمتعدد إلا أنه ذكر بعضهم أن المراد بها قرية بنواحي أرمينية، وأخرج ابن أبـي حاتم عن محمد بن سيرين أنها الأبلة بهمزة وباء موحدة ولا مشددة، وقيل: قرية على ساحل البحر يقال لها ناصرة وإليها تنسب النصارى قال في «مجمع البيان» وهو المروي عن أبـي عبد الله رضي الله تعالى عنه، وقيل: قرية في الجزيرة الخضراء من أرض / الأندلس، قال ابن حجر: والخلاف هنا كالخلاف في مجمع البحرين ولا يوثق بشيء منه، وفي الحديث «أتيا أهل قرية لئاماً».

{ ٱسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا } في محل الجر على أنه صفة لقرية، وجواب إذاقَالَ } [الكهف: 78] الآتي إن شاء الله تعالى وسلك بذلك نحو ما سلك في القصة الثانية من جعل الاعتراض عمدة الكلام للنكتة التي ذكرها هناك شيخ الإسلام، وذهب أبو البقاء وغيره إلى أنه هو الجواب والآتي مستأنف نظير ما في القصة الأولى، والوصفية مختار المحققين كما ستعلمه إن شاء الله تعالى. وهٰهنا سؤال مشهور وقد نظمه الصلاح الصفدي ورفعه إلى الإمام تقي الدين السبكي فقال:
أسيدنا قاضي القضاة ومن إذا   بدا وجهه استحيى له القمران
ومن كفه يوم المندى ويراعه   على طرسه بحران يلتقيان
ومن إن دجت في المشكلات مسائل   جلاها بفكر دائم اللمعان
رأيت كتاب الله أعظم معجز   لأفضل من يهدى به الثقلان
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره   بإيجاز ألفاظ وبسط معاني
ولكنني في الكهف أبصرت آية   بها الفكر في طول الزمان عناني
وما هي إلا استطعما أهلها فقد   نرى استطعماهم مثله ببيان
فما الحكمة الغراء في وضع ظاهر   مكان ضمير إن ذاك لشان
فارشد على عادات فضلك حيرتي   فما لي إلى هذا الكلام يدان
فأجاب السبكي بأن جملة { ٱسْتَطْعَمَا } محتملة لأن تكون في محل جر صفة لقرية وأن تكون في محل نصب صفة لأهل وأن تكون جواب { إذا } ولا احتمال لغير ذلك، ومن تأمل علم أن الأول متعين معنى وأن الثاني والثالث وأن احتملتهما الآية بعيدان عن مغزاها، أما الثالث فلأنه يلزم عليه كون المقصود الإخبار بالاستطعام عند الإتيان وأن ذلك تمام معنى الكلام، ويلزمه أن يكون معظم قصدهما أو هو طلب الطعام مع أن القصد هو ما أراد ربك مما قص بعد وإظهار الأمر العجيب لموسى عليه السلام، وأما الثاني فلأنه يلزم عليه أن تكون العناية بشرح حال الأهل من حيث هم هم ولا يكون للقرية أثر في ذلك ونحن نجد بقية الكلام مشيراً إليها نفسها فيتعين الأول ويجب فيه { ٱسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا } ولا يجوز استطعماهم أصلاً لخلو الجملة عن ضمير الموصوف.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7