الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً }

{ فَٱنطَلَقَا } الفاء فصيحة أي فقبل عذره فخرجا من السفينة فانطلقا يمشيان على الساحل كما في «الصحيح»، وفي رواية أنهما مرا بقرية { حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا } يزعمون كما قال البخاري أن اسمه جيسور بالجيم وروي بالحاء، وقيل اسمه جنبتون وقيل غير ذلك، وصح أنه كان يلعب مع الغلمان وكانوا على ما قيل عشرة وأنه لم يكن فيهم أحسن ولا أنظف منه فأخذه { فَقَتَلَهُ } أخرج البخاري في رواية أنه عليه السلام أخذ برأسه من أعلاه فاقتلعه بيده، وفي رواية أخرى أنه أخذه فأضجعه ثم ذبحه بالسكين، وقيل ضرب رأسه بالجدار حتى قتله، وقيل رضه بحجر، وقيل ضربه برجله فقتله، وقيل أدخل أصبعه في سرته فاقتلعها فمات، وجمع بين الروايات الثلاثة الأول بأنه ضرب رأسه بالجدار أولاً ثم أضجعه وذبحه ثم اقتلع رأسه، وربما يجمع بين الكل وفي كلا الجمعين بعد. والظاهر أن الغلام لم يكن بالغاً لأنه حقيقة الغلام الشائعة في الاستعمال وإلى ذلك ذهب الجمهور، وقيل كان بالغاً شاباً، وقد أخرج ابن أبـي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز أنه كان ابن عشرين سنة، والعرب تبقى على الشاب اسم الغلام، ومنه قول ليلى الأخيلية في الحجاج:
شفاها من الداء الذي قد أصابها   غلام إذا هز القناة سقاها
وقوله:
تلقَّ ذباب السيف عني فإنني   غلام إذا هوجيت لست بشاعر
وقيل هو حقيقة في البالغ لأن أصله من الاغتلام وهو شدة الشبق وذلك إنما يكون فيمن بلغ الحلم، وإطلاقه على الصبـي الصغير تجوز من باب تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه، ويؤيد قول الأولين قوله تعالى: { قَالَ } أي موسى عليه السلام { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً } أي طاهرة من الذنوب فإن البالغ قلما يزكو من الذنوب. / وقد جاء في حديث عن ابن جبير عن ابن عباس مرفوعاً تفسير زكية بصغيرة وهو تفسير باللازم، ومن قال كان بالغاً قال: وصفه عليه السلام بذلك لأنه لم يره أذنب فهو وصف ناشىء من حسن الظن. واستدل على كونه بالغاً بقوله تعالى: { بِغَيْرِ نَفْسٍ } أي بغير حق قصاص لك عليها فإن الصبـي لا قصاص عليه. وأجاب النووي والكرماني بأن المراد التنبيه على أنه قتله بغير حق إلا أنه خص حق القصاص بالنفي لأنه الأنسب بمقام القتل أو أن شرعهم كان إيجاب القصاص على الصبـي، وقد نقل المحدثون كالبيهقي في كتاب «المعرفة» أنه كان في شرعنا كذلك قبل الهجرة. وقال السبكي: قبل أُحُد ثم نسخ، والجار والمجرور ـ قال أبو البقاء ـ متعلق بقتلت كأنه قيل أي قتلت نفساً بلا حق، وجوز أن يتعلق بمحذوف أي قتلاً بغير نفس، وأن يكون في موضع الحال أي قتلتها ظالماً لها أو مظلومة وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن محيصن وحميد والزهري ونافع واليزيدي وابن مسلم وزيد وابن بكير عن يعقوب ورويس عنه أيضاً وأبو عبيد وابن جبير الأنطاكي وابن كثير وأبو عمرو { زاكية } بتخفيف الياء وألف بعد الزاي، و { زكية } بالتشديد من غير ألف كما قرأ زيد بن علي والحسن والجحدري وابن عامر والكوفيون أبلغ من ذلك لأنه صفة مشبهة دالة على الثبوت مع كون فعيل المحول من فاعل ـ كما قال أبو حيان ـ يدل على المبالغة، وفرق أبو عمرو بين زاكية وزكية بأن زاكية بالألف هي التي لم تذنب قط وزكية بدون الألف هي التي أذنبت ثم غفرت.

السابقالتالي
2 3 4 5